بقلم : عبد اللطيف المناوي
صدر حديثًا عن دار لوسوى الفرنسية كتاب «غزة الأسود»، وهو عمل يوثّق مأساة الحرب فى غزة عبر شهادات مباشرة وتقارير مؤسسات محلية ودولية. حرّرت الكتاب أنييس لوفالوا، المتخصّصة فى قضايا الشرق الأوسط، وقدّمه رونى برومان، الرئيس السابق لمنظمة «أطباء بلا حدود». يُعَد الكتاب شهادة مؤلمة على أهوال الحرب التى اندلعت فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ وما تلاها، مُظهرًا ما يغيب عن تغطيات الإعلام التقليدى.
يتناول الكتاب فى أقسامه السبعة الجذور التاريخية للصراع، بدءًا من الحصار المفروض على غزة قبل الحرب، وتأثيره على النظام الصحى، ووصولًا إلى الهجمات التى طالت الصحفيين والسكان المدنيين. يوثّق أيضًا التدمير الهائل للبنية التحتية واستهداف العاملين فى المجال الإنسانى، مشددًا على غياب المحاسبة عن الانتهاكات.
الكتاب يتضمن تقارير موثّقة من منظمات دولية مثل الأمم المتحدة ومنظمات فلسطينية وإسرائيلية، بالإضافة إلى تحقيقات صحفية وشهادات ميدانية.. ويُلقى الضوء على كيف أن الحرب ليست مجرد صراع عسكرى ضد حماس، بل جزء من سياسة أوسع لتدمير النسيج الاجتماعى والاقتصادى لسكان غزة، كما يصفها بيتر هارلينج، مدير مركز سينابس للأبحاث.
وصفته صحيفة «لوموند» الفرنسية بأنه شهادة جريئة تتحدى الروايات الإعلامية السائدة، فى ظل مناخ يُساوى بين انتقاد السياسات الإسرائيلية ومعاداة السامية. يرفض الكتاب هذا الترهيب الفكرى ويُسلّط الضوء على التلاعب فى الخطاب الإعلامى، مما يعوق النقاش الموضوعى حول جذور الصراع وآثاره.
يتطرق الكتاب إلى أوضاع سكان غزة، الذين يعيشون منذ سنوات فى ظروف تزداد قسوة بسبب الحصار المفروض منذ عام ٢٠٠٧. وفقًا لتقرير صادر عن منظمة بتسليم، يُشكّل القطاع مسرحًا لكارثة إنسانية تفاقمت جراء سياسات إسرائيلية منهجية، من تدمير البنى التحتية الزراعية والصناعية إلى قصف المستشفيات والمخابز، مما أدى إلى انهيار شبكات الدعم الاجتماعى والعائلى.
فى مقال بعنوان «حرب بلا نهاية»، تُبرز أنييس لوفالوا كيف أن جذور الصراع تعود إلى تأسيس إسرائيل عام ١٩٤٨، حيث لجأ مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى غزة. تشير الكاتبة إلى سلسلة من الإجراءات الإسرائيلية التى تهدف إلى القضاء على القضية الفلسطينية، بدءًا من إجهاض نشوء حركة وطنية فلسطينية، وصولًا إلى بناء الجدار العازل وتشديد الحصار.
لا يقدم الكتاب فقط توثيقًا للكارثة، بل يطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل المنطقة. تؤكد الكاتبة أن هذه الحرب، بعنفها المطلق، ليست مجرد حلقة عابرة بل جزء من سياق أوسع سيُشكّل ذاكرة تاريخية مؤلمة للأجيال القادمة.
«غزة الأسود» هو شهادة شجاعة تسعى للحفاظ على الحقيقة فى وجه النسيان، وهو تذكير مُلحّ بأن الإنسانية تدفع دائمًا الثمن الأغلى فى صراعات القوى والسياسات.