بقلم : عبد اللطيف المناوي
جرح السودان مازال ينزف، ربما لا نشعر به، بسبب التركيز على الحرب فى غزة، ورغم سقوط آلاف الشهداء فى القطاع إلا أن ما يسقط فى حرب السودان هو الدولة ذاتها، وليس أفرادها.
ولعل دولة السودان تحديدًا كثيرًا ما عانت من الانقسام طوال عمرها، وتحديدًا منذ الاستقلال عام ١٩٥٦، وتتباين شدة وحدة الانقسامات كل فترة، إلى الحد الذى جعل الجنوب فيه ينفصل عن الشمال، وبعد سقوط نظام عمر البشير فى إبريل ٢٠١٩، شهدت الساحة السياسية السودانية انقسامات حادة أسهمت بشكل مباشر فى اندلاع الحرب بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع.
استمرار الحرب جعل وحدة الدولة حلمًا صعب المنال، فالانقسامات السياسية العميقة بين القوى أدت إلى تشكيل معسكرات متناحرة تدعم أطراف الحرب المختلفة، فضلًا عن أن الخلافات الأيديولوجية والدينية عمقت الفجوة أكثر وأكثر بين هذه القوى، وعرقلت بشكل واضح جهود التوحيد، وعقدت المشهد السياسى.
فى كل مؤتمر للقوى السودانية أستبشر خيرًا، وأُحدث نفسى بأن يوم الوحدة وإنهاء القتال قد اقترب، ولكن بعد أن يذهب الجميع إلى بيوتهم يتسلل اليأس. فى آخر مؤتمر، والذى استضافته القاهرة، ظل كل طرف على موقفه، بينما قاطعته أطراف أخرى لأسباب واهية.
القاهرة بالفعل هى عاصمة حل تلك الأزمة، وبدونها فالأمر معقد جدًا. لكن التركيبة السودانية ربما تكون أكثر تعقيدًا مما ينبغى.
لا يسعنى فى هذا المقام إلا أن أقدم النصيحة لعل أحدهم يسمع، حيث إن السعى نحو السلام ورفض الحرب يمثلان أهدافًا مشتركة يمكن البناء عليها لجمع الفرقاء حول طاولة الحوار. إضافة إلى أن الضغط الشعبى والدولى من أجل إنهاء الحرب واستعادة المسار الديمقراطى يوفر دافعًا قويًا للقوى للعمل معًا.
لتحقيق التوحيد، يجب على القوى المدنية تبنى استراتيجيات فعّالة تركز على المصالح الوطنية المشتركة، ومنها على سبيل المثال الحوار الشامل الذى يشمل جميع الأطراف دون استثناء ويعتمد على الشفافية والثقة المتبادلة، والاتفاق على مبادئ وطنية أساسية مثل سيادة البلاد ووحدتها، ووقف الحرب وجبر الضرر، وتطوير برامج سياسية واقتصادية واجتماعية مشتركة تستجيب لتطلعات الشعب السودانى وتحقق الاستقرار والتنمية.
ينبغى على القوى أيضًا العمل على تحديث برامجها وقياداتها لتواكب التحديات الراهنة والمستقبلية. ويتطلب ذلك اختيار قيادات شابة ومؤهلة تتمتع برؤية واضحة وقدرة على التواصل الفعّال مع جميع الأطراف. كما يجب تطوير البرامج السياسية لتكون شاملة ومستجيبة للاحتياجات الفعلية للمجتمع السودانى، وتعزز من قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
يجب كذلك تبنى نهج مدنى وحضارى فى التعامل مع التحديات الراهنة، بعيدًا عن العنف والتطرف. ويعتمد ذلك على الحوار المستمر والتفاهم بين مختلف الأطراف، والعمل المشترك لتحقيق الأهداف الوطنية. كما يجب تعزيز التواصل مع المجتمع الدولى والإقليمى للحصول على الدعم اللازم لتحقيق الاستقرار والسلام فى السودان.
بدون ذلك سنعاود السؤال فى العام القادم: متى يلتئم جرح السودان؟