بقلم : عبد اللطيف المناوي
رغم أن تخصيب اليورانيوم عملية معقدة تقنيًا وبالغة الأهمية فى عالم الطاقة النووية، وأن مجرد ذكرها يتسبب فى أزمات عالمية كبرى، وأشهرها الأزمة الإيرانية- الأمريكية، إلا أن فكرة (التخصيب) ذاتها بسيطة للغاية، وشرحها صار ضرورة للقارئ الذى يسمع عنها وعن تداعياتها الكبيرة، دون أن يفهمها علميًا.
اليورانيوم هو عنصر كيميائى طبيعى يُستخرج من باطن الأرض، لكن خام اليورانيوم لا يكون صالحًا مباشرة للاستخدام فى المفاعلات النووية، وعليه لابد أن تجرى عليه بعض العمليات حتى يكون صالحًا فى المفاعلات النووية.
فاليورانيوم الموجود فى الطبيعة يتكون بشكل أساسى من نظيرين: (يورانيوم ٢٣٥ أو U-٢٣٥) و(يورانيوم ٢٣٨ أو U-٢٣٨). ويتم إنتاج الطاقة فى المفاعلات النووية من خلال عملية الانشطار أو انقسام ذرات (U-٢٣٥)، وهى عملية تُطلق فيها الطاقة على شكل حرارة، ما يمكن استخدامها فى العديد من الأنشطة، سواء السلمية أو غير السلمية.
إذن، النظير المسؤول عن إنتاج الطاقة فى المفاعلات النووية هو (U-٢٣٥)، ولكن هنا تأتى المعضلة، وهو أن هذا النظير يوجد بنسبة ضئيلة جدًا فى اليورانيوم الطبيعى، فحسب الرابطة العالمية لإنتاج الطاقة، فإن (U-٢٣٥) يوجد بنسبة ٠.٧٪ فقط فى اليورانيوم، بينما تتكون النسبة المتبقية البالغة ٩٩.٣٪ فى الغالب من نظير (U-٢٣٨)، وهو نظير لا يُساهم بشكل مباشر فى عملية الانشطار.
وبالتالى، فإنه كلما وُجدت نسبة أكبر من نظير (U-٢٣٥) فإن الطاقة المنتجة كانت أكبر، وعليه فإن مسألة زيادة هذا النظير هى المسماة بـ(التخصيب).
بمعنى أنه إذا خصبت إحدى الدول نظير اليورانيوم (U-٢٣٥) ورفعت نسبته من ٠.٧٪ إلى ما بين ٣٪ و٥٪، فهذا يعتبر (يورانيوم منخفض التخصيب)، ويمكن هنا استخدامه مثلاً كوقود.
أما إذا أرادت دولة من الدول استخدام التخصيب فى سلاح نووى، فإنها تحتاج إلى رفع نسبة (U-٢٣٥) من نسبته العادية ٠.٧٪ إلى ٩٠٪ أو أكثر!
وعملية (التخصيب) ذاتها، أو بمعنى أدق زيادة نسبة نظير اليورانيوم (U-٢٣٥) تحتاج إلى آلات خاصة جدًا لفصل الأنواع عن بعضها فى البداية، وزيادة الكمية المطلوبة من نظير اليورانيوم الضروروى لإنتاج الطاقة، وأكثرها استخدامًا اليوم هو طريقة الطرد المركزى، وفى هذه الطريقة، يتم تحويل اليورانيوم إلى غاز، ثم يُوضع فى أسطوانات تدور بسرعة عالية، وبسبب الفارق الطفيف فى الكتلة بين النظيرين (U-٢٣٥) و(U-٢٣٨)، يتجه الأثقل (U-٢٣٨) إلى أطراف الأسطوانة، بينما يبقى الأخف (U-٢٣٥) أقرب إلى المركز، وهنا يتم فصله تدريجيًا، ومن ثم زيادة تركيزه.
وتهتم دول العالم بمسألة تخصيب دولة لليورانيوم، لأن نفس التقنية التى تُستخدم لتوليد الكهرباء يمكن استخدامها أيضًا لصنع سلاح نووى، ولهذا فإن تخصيب اليورانيوم يُعد أمرًا حساسًا وخاضعًا للرقابة الدولية، وهناك وكالة عالمية هى الوكالة الدولية للطاقة الذرية تتابع كل دولة تقوم بهذه العملية لتتأكد أنها لا تصنع أسلحة نووية.
إن قرار تخصيب اليورانيوم لا يتعلق فقط بالعلم أو التقنية، بل يرتبط ارتباطًا مباشرًا بنوايا الدول وخياراتها الاستراتيجية، فبينما تستخدم بعض الدول التخصيب لتوليد الطاقة، تتجه دول أخرى نحو مستويات تخصيب عالية تثير الشكوك.