بقلم : عبد اللطيف المناوي
بعد الحرب العالمية الثانية نشأت الحرب الباردة بين قطبى العالم آنذاك، أمريكا والاتحاد السوفيتى قبل تفكيكه. وجاءت هذه الحرب عبر تنويعات وأشكال عدة، منها سباق التسليح النووى، والمواجهات غير المباشرة بين الطرفين، إلا أنها لم تأخذ شكل المواجهة المباشرة أبدًا.
هذه الحرب تُشبه إلى حد كبير الحرب الحالية أو التى يُكتب فيها فصل جديد هذه الأيام، بين إسرائيل وإيران. وهى الحرب التى أخذت شكل الحرب بالوكالة فى أغلب الأحيان، وهى حرب لم تشهد مواجهات مباشرة- حتى بعد ردود الصواريخ والطائرات المسيرة-. لكن خلال الفترة الأخيرة وضح أن إيران اكتفت بردود خطابية فقط على الضربات الإسرائيلية الأخيرة فى لبنان وسوريا. وأظن أن هذا الاكتفاء له أسبابه، أولها هو الوضع الاقتصادى لإيران، والذى يمنعها من توجيه ضربات مثل التى وجهتها من قبل لإسرائيل مرتين بالصواريخ والمسيرات.
إيران حقيقة تعانى من تحديات اقتصادية عميقة، فاقمت من ثقلها سنوات من الضغوط المحلية والدولية، إذ قيد التأثير المعوق للعقوبات الدولية قدرة إيران على الوصول إلى الأسواق العالمية، فضلًا عن سوء إدارة داخلية وفساد مستشرٍ ترك الاقتصاد الإيرانى فى حالة من الانهيار الوشيك، إذ ارتفع معدل التضخم إلى مستويات مذهلة، كما انهارت قيمة العملة بحدة، ما يجعل أى مواجهة مع إسرائيل فى الوقت الحالى خرابًا محتمًا على طهران، بل قد تهدد بقاء الجمهورية الإسلامية ذاتها بعد أكثر من ٤٥ عامًا من وجودها بعد الثورة الخومينية فى ١٩٧٩.
ويأتى تنصيب إدارة دونالد ترامب بعد نحو خمسة أيام، ليزيد من تفاقم التحديات على إيران، حيث معروف موقف ترامب من طهران، حيث يفضل الرئيس الأمريكى المنتخب سياسة الضغط بأقصى قوة على إيران أولاً للحد من تطلعاتها النووية، وثانيًا لدعم ترامب الواضح لإسرائيل، ورغبته فى أن تكون الدولة العبرية من دون تهديد حقيقى، حتى لو كان بعيدًا.
فى هذه المرحلة إسرائيل تسعى لتعمد استفزاز إيران، وقد حدث ذلك مع تصريحات نتنياهو عن فكرة «إيران الحرة» التى داعب فيها الشعب الإيرانى داعيًا إياه للتخلص من حكامه. وهذا الخطاب الإسرائيلى بالتأكيد محسوب للغاية، فطهران لم يبق لها فى المنطقة أذرع عسكرية متاخمة لإسرائيل تسبب لها قلقًا، وذلك بعد الحد الواضح من قدرات وقيادات حزب الله اللبنانى، والانتصار على حماس عسكريًا، وكذلك رحيل نظام الأسد فى سوريا.
لهذا أظن أن إيران من مصلحتها ألا تنجر إلى حرب مباشرة مع إسرائيل، لأنها ستكون بالنسبة لهم معركة وجود، كما أنها أيضًا ستكون معركة وجود لإسرائيل، والتى أظن كذلك أنها ستعتمد على تكتيك مختلف فى تأليب الرأى العام داخل إيران على قياداته، والغريب أن تل أبيب تعتمد هذا التكتيك، وهى فى الواقع تواجه نفس التحديات الداخلية تقريبًا، فالرأى العام ضد نتنياهو، لأسباب كثيرة، كما أنه يواجه تهمًا عديدة قد تُخرجه من الحكومة من باب صغير جدًا.