بقلم : عبد اللطيف المناوي
تعددت طرق النصب النابع عن جهل على مر التاريخ، منذ حلاق الصحة، الذى كان يعالج كل الأمراض بما تحويه «شنطة الحلاقة» المليئة بما يعتبرها الحلاق أدوية بجانب عدة الحلاقة التى كان يستخدمها أيضًا كأدوات «جراحة».
وكلنا يذكر رائعة يحيى حقى «قنديل أم هاشم» التى تسبب زيت القنديل فى فقدان «فاطمة» بطلة الرواية نظرها. وقديمًا، كان يصعد إلى عربات القطار المكتظة بالبسطاء من الناس القادمين إلى «البندر»، بحثًا عن علاج أو عمل، نصابون «بسطاء» يحملون زجاجات بها محلول غير معلوم المحتوى، فى الغالب ماء وملح، يبيعونها بدعوى قدرتها على شفاء كل الأمراض. كانوا يسمونها «شَرْبة الحاج محمود». ولأننا فى عصر السوشيال ميديا والذكاء الاصطناعى، ومع استسهال بعض المؤسسات الإعلامية الربح من خلال نشر الخرافة، فقد حلت هذه الوسائل محل حلاق الصحة ونصاب القطار. فأحلام الشفاء يتلاعب بها هؤلاء عبر منصات ومواقع التواصل الاجتماعى.
أحدث عمليات النصب كانت تلك التى بطلتها طالبة فى سن صغيرة بالصف الثالث الإعدادى بمدرسة بالمنوفية تقف أمام شعار جامعة المنوفية لتعلن اكتشافها علاجًا لسرطان البنكرياس. ليس هذا فقط، بل تم اختباره فى معهد الأورام بجامعة القاهرة دون تدخل جراحى أو كيميائى أو إشعاعى، وهو عبارة عن كبسولة تقضى على المرض بنسبة ٨٥٪. تقول الطفلة «مكتشفة العلاج» إنها منذ ٣ سنوات بدأت القراءة والدراسة والاطلاع وعمل عينات للاختبار، أى أنها بدأت وعمرها ١٢ عامًا مثلًا أو يمكن أقل!. علامات التعجب والدهشة السابقة غير كافية للتعبير عن حجم الذهول الذى يزداد مع ترحيب واهتمام من منصات ووسائل إعلامية كان المتوقع منها الارتقاء بالوعى والمعرفة لا الترويج للخرافة. ويزداد أيضًا الذهول عند مطالعة التعليقات على فيديو الفتاة وهى تتحدث عن «اكتشافها»، فى حالة من التغييب والغرق فى الوهم والخرافة لا مثيل لها إلا فى بلاد تعانى الجهل والمرض، وما زالت واقعة تحت سحر الخرافة والأكاذيب. أحسن المعهد القومى للأورام بجامعة القاهرة عندما أصدر بيانًا ينفى فيه صحة مزاعم اكتشاف «التلميذة» عقارًا جديدًا لعلاج الأورام بالتعاون مع المعهد. وأن ما يتم تداوله لا يتعدى كونه نشاطًا تدريبيًا بسيطًا ولا يمت بصلة إلى الأبحاث العلمية المتقدمة أو العلاجات المعتمدة، وأن ما جرى هو تجربة معملية أولية قام بها طلاب مدارس بالتعاون مع مديرية التربية والتعليم فى المنوفية وبرعاية وزارة التربية والتعليم.
واستهدفت هذه التجربة تعليم الطلاب قواعد البحث العلمى وتنمية قدراتهم الابتكارية كجزء من برامج تدريبية ومسابقات علمية. وأن هذه التجربة شملت اختبار مادة كيميائية على خلايا مزروعة ومصنعة معمليًا خارج الجسم. وأضاف أن تلك الأنشطة لا يمكن اعتبارها بحوثًا علمية موثوقة أو قابلة للتطبيق فى المجال الطبى.
ويبقى السؤال هنا: من المسؤول: «التلميذة» أم أهلها.. أم المدرس والمدرسة اللذان دعماها وشجعاها.. أم جامعة المنوفية التى تبنت الإعلان عن «الاكتشاف المذهل».. أم وسائل الإعلام والتواصل التى رحبت بالعلاج الوهمى.. أم أولئك المخدرون والمخدوعون من المتابعين الذين رأوا فى الاكتشاف الوهمى إنجازًا خافوا عليه من الحسد ومن مافيا مصانع الدواء.. أم من مجتمع صار يهوى الخرافات؟!.