بقلم : عبد اللطيف المناوي
فى تطور لافت، اتخذ الجيش الإسرائيلى قرارًا جديدًا يمنع نشر هويات الجنود والضباط من رتبة «بريغادير» فما دون، الذين يشاركون فى العمليات القتالية، مع فرض قيود صارمة على ظهورهم فى وسائل الإعلام. يهدف هذا القرار، بحسب تصريحات القيادة الإسرائيلية، إلى حماية العسكريين من الملاحقات القانونية فى الخارج، خاصة فى ظل الاتهامات المتكررة بارتكاب جرائم حرب. جاء هذا القرار فى أعقاب ارتفاع عدد القضايا التى رفعتها منظمات حقوقية دولية ضد جنود إسرائيليين فى المحاكم العالمية. وتعتمد هذه المنظمات على ما يُنشر من معلومات وصور للجنود، خاصة تلك التى تُظهرهم فى مواقف مثيرة للاشمئزاز خلال العمليات العسكرية، مثل إظهارهم أثناء تدمير منازل الفلسطينيين أو اعتقالهم بأساليب صادمة ووحشية توثقها الكاميرات.
وقد أكدت رئاسة الأركان الإسرائيلية أن القرار يشمل جميع العسكريين، باستثناء بعض وحدات النخبة، وسيتم فرض قيود على نشر صور الجنود أو أسمائهم، مع الاكتفاء باستخدام الأحرف الأولى فى حال إجراء مقابلات إعلامية.
وسيتولى قسم القانون الدولى فى الجيش الإسرائيلى تنبيه العسكريين بشأن ما يُسمح بنشره خلال المقابلات الصحفية. وسيتم منح استثناءات محدودة لبعض الشخصيات العسكرية فى أن تُنشر صورهم أثناء العمليات القتالية، مع الالتزام بإخفاء الملامح الأساسية.
القرار جاء أيضًا نتيجة لتزايد الضغط على الجنود الإسرائيليين الذين يسافرون للخارج، حيث دعا الجيش أفراده إلى الامتناع عن مشاركة صور من إجازاتهم على مواقع التواصل الاجتماعى، خشية أن تُستخدم ضدهم فى المحاكم الأجنبية.
إن تصاعد قلق كهذا فى الأوساط العسكرية الإسرائيلية يأتى بعد تقارير عن تحركات قانونية فى عدة دول. فقد تمكنت إحدى المحاكم فى البرازيل من فتح تحقيق ضد جندى إسرائيلى كان يزور البلاد، بعد اتهامه بالتورط فى انتهاكات موثقة بالفيديو. واستدعى هذا الحادث تدخل وزارة الخارجية الإسرائيلية لإخراجه من البرازيل بشكل عاجل. القرار أثار نقاشًا داخل إسرائيل. إذ يرى اللواء المتقاعد يعقوب عميدرور أن هذه الإجراءات ضرورية لحماية الجنود من الملاحقات، معتبرًا أن المنظمات الحقوقية تسعى لإضعاف الجيش عبر الملاحقة القانونية. ومن جهته، أشار وزير القضاء الإسرائيلى الأسبق شمعون شتريت إلى أن التعليمات الجديدة قد تسهم فى الحد من انتهاك التعليمات العسكرية المتعلقة باستخدام الصور، مما يقلل من احتمالية الملاحقات.
الاعتماد المتزايد على وسائل الإعلام والتكنولوجيا فى توثيق الأحداث العسكرية، قد يكون هو السبب فى هذا القرار، حيث تسعى إسرائيل لحماية جنودها من التداعيات القانونية الدولية بسبب استخدامهم لتلك اللقطات (الوحشية) أو غيرها، كأن يظهر مثلاً فى بلاد أخرى (يلاحَقون فيها) أو غيرها. ولكن يبقى السؤال: هل يمكن لمثل هذه الخطوة أن تعفى الجنود من الملاحقة، أم أن المعلومات التى جمعتها المنظمات الحقوقية بالفعل ستظل سيفًا مصلتًا على رقابهم؟. أيا كانت الإجابة، فما هو مؤكد أن جرائم الاحتلال لن تسقط بإخفاء الهوية!.