بقلم : عبد اللطيف المناوي
فى خطوة مفاجئة- ولكنها متوقعة من ترامب- هاجم الرئيس الأمريكى جامعة هارفارد، واصفًا إياها بـ«المهزلة»، مهددًا بقطع التمويل الفيدرالى عنها، وذلك لسبب (معلن) وهو رفضها الخضوع لإشراف حكومى واسع النطاق، وسبب آخر يخفيه ترامب بين ثنايا كلامه، وهو تساهل إدارة الجامعة مع الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لفلسطين، والتى هاجمت المجازر الإسرائيلية فى غزة.
ترامب، المعروف بمواقفه المثيرة للجدل، صرح عبر منصته «تروث سوشيال» بأنه لم يعد من الممكن اعتبار هارفارد مكانًا لائقًا للتعليم، ولا ينبغى إدراجها فى أى من قوائم أفضل جامعات أو كليات العالم!
بالتأكيد، ترامب يعرف قيمة جامعة هارفارد، فهى تُعتبر من أبرز رموز التعليم العالى فى العالم، ويعرف كذلك أنها فى عام ٢٠٢٠ رفضت قبول مساعدات حكومية بقيمة ٨.٦ مليون دولار خُصصت لمواجهة تبعات جائحة كورونا، بعد أن انتقدها ترامب، مؤكدة أنها لم تطلب هذه الأموال من الأساس. هذا الموقف يعكس استقلالية الجامعة ورفضها للضغوط السياسية التى تهدف إلى تقييد حرية التعبير.
لا أستطيع أن أفصل هذه الحملة التى يشنها ترامب على الجامعة العريقة، عن حملة أوسع ضد الحركات الطلابية التى انتقدت الدعم الأمريكى لإسرائيل خلال الحرب على غزة، وذلك فى خطاب تصعيدى لم يقتصر على هارفارد فقط، بل يشمل تهديدات بوقف التمويل عن أى مؤسسة تعليمية تسمح بالاحتجاجات التى يصفها بـ«غير القانونية»، ما يفتح الباب أمام تدخلات سياسية فى شؤون الجامعات، ويهدد بتحويلها إلى أدوات لخدمة حزب معين أو رئيس معين، بعيدًا عن الرسالة الأكاديمية المنوطة بها.
رئيس الجامعة، آلن جاربر، أكد تمسك هارفارد باستقلالها وحقوقها الدستورية، رافضًا الخضوع للضغوط السياسية، وأشار إلى أن الجامعة لن تتخلى عن مبادئها، حتى فى وجه التهديدات بقطع التمويل.
الأيام المقبلة سوف تُظهر إن كان ترامب سيتراجع عن موقفه هذا أم يسير فيه، خصوصًا مع ردة فعل متوقعة للمجتمع الأكاديمى والحقوقى، والذى من المتوقع أن يقف بحزم ضد محاولات تقييد حرية التعبير فى الجامعات. وإذا تم التساهل مع مثل هذه التهديدات، فإن ذلك قد يؤدى إلى تآكل القيم الديمقراطية فى دولة تعتبر منبرًا للديمقراطية!
هجوم ترامب على هارفارد يمثل تحديًا خطيرًا لحرية التعبير فى المؤسسات الأكاديمية. وبالتأكيد سيتصدى كل من الطلاب والأساتذة للدفاع عن هذه الحرية، لضمان بقاء الجامعات أماكن للتفكير الحر والنقاش المفتوح، بعيدًا عن الضغوط السياسية.
هذا التصعيد يثير تساؤلات حول حدود التدخل السياسى فى الشؤون الأكاديمية، ومدى تأثيره على حرية التعبير والاستقلالية المؤسسية. فهل يحق لترامب استخدام سلطته لفرض رقابة على المؤسسات التعليمية؟ وهل يمكن تبرير هذه الإجراءات بحجة مكافحة معاداة السامية، أو حتى الرفض للإشراف الحكومى مثلما أعلن هو؟