بقلم : عبد اللطيف المناوي
أعلن مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذى لمنصة «ميتا»، التى ينبثق عنها موقع التواصل الاجتماعى الأشهر فى العالم «فيس بوك»، أن منصته سوف تخفف القيود المفروضة على المناقشات المتعلقة بالموضوعات المثيرة للجدل على الموقع مثل الهجرة والهوية الجنسية، وهى قيود وضعتها «ميتا» فى السابق ضمن برنامج سمته «برنامج تقصى الحقائق».
هذه الخطوة ربما تكون استباقية، حاول زوكربيرج بها أن يخطب ود دونالد ترامب قبل وصوله إلى البيت الأبيض، حيث هدد الأخير بسجن الأول بسبب هذه القيود الذى اعتبرها الرئيس المنتخب مؤخرًا «مقيدة لحرية الرأى والتعبير».
زوكربيرج قال فى بيان الإلغاء: «لقد وصلنا إلى مرحلة فيها الكثير من الأخطاء والكثير من الرقابة. لقد حان الوقت للعودة إلى جذورنا بشأن حرية التعبير»، فيما أشارت بعض المصادر إلى أن مؤسس «فيس بوك» كان يفكر فى هذا الأمر منذ عام تقريبًا، وليس وليد الفترة السابقة.
بالتأكيد مستخدمو «فيس بوك» مؤخرًا عانوا الأمرّين بسبب منشوراتهم، التى كانت المنصة تحجب بعضها بدعوى أن محتواها لا يتناسب مع آداب المنصة أو يتضمن خطابًا يحض على الكراهية وصولًا إلى تهم تصل إلى دعم الإرهاب. وهذه المنشورات فى أغلبها كانت تتعلق بدعم الفلسطينيين الذين واجهوا ومازالوا يواجهون حربًا دموية تشنها إسرائيل، مع جعل المستخدمين يهربون إلى استخدام حيل لغوية وكلامية كأن يستخدموا حروفا إنجليزية بديلة للعربية فى كلمة فلسطين.
استبشر البعض خيرًا مع انتشار خبر تراجع «ميتا» عن قراراتها الرقابية، ولكن المفاجأة أن زوكربيرج قال فى بيانه إن خطوة «ميتا» الجديدة لن تشمل إزالة الانتهاكات عالية الخطورة، مثل: الإرهاب واستغلال الأطفال والاحتيال والمخدرات.
ومع أن الألفاظ التى استخدمها زوكربيرج مُعرّفة فى قواميس ومعاجم المؤسسات الدولية الكبرى، إلا أن لفظ كـ(الإرهاب) مثلًا مُختلف عليه، فإسرائيل على سبيل المثال كانت تسمى «المقاومة» حتى بالطرق البدائية «إرهابًا»، وكانت تطلق على «الأطفال الفلسطينيين» لفظ «إرهابيين محتملين». وقد سارت وراء هذا التعريف العديد من دول العالم وكثير من المنظمات الدولية، وقد اعتمدتها منصات التواصل بكل تأكيد، ما جعل فكرة التضامن مع ما يحدث من مجازر فى قطاع غزة اسمه «دعم للإرهاب»ّ!.
خطوة زوكربيرج إيجابية بكل تأكيد، وفكرة «عودة الجذور بشأن حرية التعبير» مثمنة ومقدرة للغاية، ولكن كان الأحرى والأهم أن يسعى المجتمع الدولى لتخليص المفاهيم والمصطلحات المستخدمة من الأهواء والانحيازات الواضحة للجميع.. أن يعرفوا مقاومة بالحجارة أو بالتظاهرات السلمية إرهاب، فى حين أن ما تفعله إسرائيل من قتل للأطفال والعجائز والنساء هو رد شرعى ودفاع عن النفس، هى مفاهيم تحتاج بالفعل إلى عودة إلى الجذور مثلما قال مارك، ولكنها جذور لغوية وإنسانية.
زوكربيرج اتخذ خطوة ربما تكون مناسبة أكثر للمجتمع الأمريكى الذى يهتم أكثر بقضايا الهوية الجنسية والهجرة وحق الإجهاض.. وغيرها، وقد يكون قد فتح الباب المغلق لمزيد من حرية التعبير، ولكن الأهم كما ذكرت، هو تحرير المفاهيم من أى انحياز.