بقلم : عبد اللطيف المناوي
مرة أخرى، أتحدث عن المقابلة التى أجرتها صحيفة «نيويورك تايمز» مع «موسى أبومرزوق»، الذى هو أحد كبار قادة حماس، عندما صرح بأنه لم يكن على اطلاع تفصيلى على خطط هجوم 7 أكتوبر2023، مضيفًا أنه لو كان مدركًا للعواقب المترتبة عليه لما وافق عليه، ولكنى اليوم أركز على إقراره الواضح أن حجم الدمار الذى لحق بغزة يجعل من غير المقبول الادعاء بأن حماس حققت انتصارًا فى هذه الحرب.
يأتى تصريح أبومرزوق هذا متوافقًا مع النتائج الميدانية على الأرض، حيث تكبّد القطاع خسائر بشرية ومادية هائلة من الجانب الإسرائيلى. ومع ذلك، فإن اعتراف قيادى مثل موسى أبومرزوق بعدم منطقية ادعاء النصر يثير تساؤلات حول الفجوة الكبيرة بين حقيقة الأحداث ونتائجها، وبين حالة الإنكار التى يعيشها بعض قيادات حماس وبعض المهاويس بها.
ما يلفت الانتباه هو أن هذا الاعتراف، كما ذكرت أمس، يشابه موقفًا سابقًا للأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، حين قال بعد حرب 2006 إنه لو كان يعلم أن خطف الجنديين الإسرائيليين سيؤدى إلى حرب واسعة لما أقدم عليه، وهو هنا يُقر بشكل ضمنى بخسارة الحزب للحرب، وليس أيضًا كما ادعى البعض وقتها أنها انتصار.
لطالما استخدمت حماس، وغيرها من الحركات المقاومة، خطاب «النصر» القائم على الصمود والبقاء، لكن تصريحات أبومرزوق تعكس بوضوح التناقض بين هذا الخطاب والواقع الفعلى. فحجم الخسائر البشرية والبنية التحتية فى غزة يجعل الادعاء بالانتصار أمرًا محل تساؤل. صحيح أن الهجوم كشف ضعف المنظومة الأمنية الإسرائيلية فى بدايته، لكنه قُوبل برد فعل عسكرى كاسح أدى إلى معاناة غير مسبوقة للمدنيين فى غزة، ما يدفع للتساؤل حول جدوى مثل هذه العمليات إن لم تكن مدعومة بخطة سياسية واستراتيجية محكمة.
الاعتراف بعدم معرفة تفاصيل الهجوم يطرح إشكالية أخرى: من يتحمل المسؤولية؟ فى الحروب والصراعات يكون القادة مسؤولين عن قراراتهم، حتى لو لم يشاركوا بشكل مباشر فى التخطيط لكل عملية. فهل تصريحات أبومرزوق محاولة للتنصل من المسؤولية، أم أنها تعبير صادق عن الخلافات الداخلية فى حماس حول جدوى هذا الهجوم؟
تصريحات أبومرزوق ليست مجرد مراجعة ذاتية، بل مؤشر على ضرورة إعادة التفكير فى طبيعة القرارات المصيرية وتأثيرها على المدنيين. لا يمكن إنكار حق المقاومة، لكن السؤال الأهم: كيف تُدار هذه المقاومة بحيث لا تؤدى إلى نتائج كارثية؟ إذا كان أحد قادة حماس يُقرّ اليوم بأنه لم يكن ليوافق على الهجوم لو أدرك عواقبه، فهل يمكن أن يدفع ذلك إلى نهج أكثر حذرًا فى المستقبل.. أم أن التفاعلات السياسية والعسكرية ستظل خاضعة لمنطق المواجهة بغض النظر عن التكاليف؟
تظل هذه التصريحات شهادة من الداخل على أن «النصر» ليس مجرد شعار، بل يجب أن يكون مبنيًا على حسابات دقيقة تضمن ألا يتحمل المدنيون وحدهم عبء القرارات المصيرية.