بقلم : عبد اللطيف المناوي
فى ٩ أغسطس سوف تقيم مدينة ناجازاكى اليابانية فعالية بمناسبة إحياء ذكرى إلقاء القنبلة النووية على المدينة فى ١٩٤٥. إلى هنا يبقى الخبر عاديًا، فالمدينة فى العادة تحتفل مثل هذه الأيام بهذه المناسبة، إلا أن المختلف هذه السنة هو تصريح عمدة مدينة ناجازاكى، شيرو سوزوكى، من أنه لن يدعو إسرائيل للمشاركة فى الاحتفاء.
العمدة قال إن قرار استبعاد إسرائيل كان لأسباب أمنية، ولم يكن قرارًا سياسيًا!، والسبب أنه يخشى من أى شىء يعكر على اليابان صفو الفعالية الداعية فى الأساس إلى السلام، فقد تواجه مشاركة إسرائيل فى الحدث بتظاهرات واحتجاجات، بينما يريد العمدة أن تقام الاحتفالية فى جو وقور ومسالم!.
معروف أن القنبلة النووية ألقيت على مدينتين: ناجازاكى التى لم تدع الإسرائيليين لأسباب أمنية!، وهيروشيما، فماذا عن موقفها؟. الحقيقة أن هيروشيما التى ألقيت عليها القنبلة الأولى، دعت إسرائيل للاحتفالية، التى تقام يوم ٦ أغسطس!.
هيروشيما، التى دعت تل أبيب، لم تدع روسيا مثلًا لهذا الاحتفال السنوى، وكأن ما تفعله إسرائيل فى غزة يدعم السلام العالمى، بينما ما تفعله روسيا فى أوكرانيا مناهض له!.
من الواضح أن ميزان المنطق اختل تمامًا، فلو جاء واضعو علم المنطق الآن وشاهدوا مثل هذه الأخبار فإنهم ولا شك سيُصعقون، فالمدينتان اللتان عانتا من عملية شبه إبادة، واحدة تأسف لعدم دعوة دولة تمارس الإبادة بشتى معانيها فى غزة، بينما الأخرى تدعوها بشكل عادى.
ولاكتمال المشهد العبثى، فقد صرح السفير الإسرائيلى فى طوكيو، جلعاد كوهين، بأن قرار ناجازاكى مؤسف، ويوجه رسالة خاطئة للعالم!، لأن إسرائيل، من وجهة نظر كوهين، تمارس حقها الكامل والتزامها الأخلاقى للدفاع عن نفسها، ومواطنيها، وأنها ستواصل القيام بذلك!.
لقد استخدمت الولايات المتحدة القنبلة الذرية فى الحرب العالمية لإنهائها سريعًا، دون أى اعتبار لما حدث من دمار واسع النطاق ومقتل عشرات الآلاف من المدنيين فى لحظات، وهى أمور تحدث يوميًا فى غزة. فما الفارق بين ما أقدم عليه الرئيس الأمريكى ترومان، وما يفعله نتنياهو يوميًا؟. الفارق الوحيد هو أن رئيس الوزراء الإسرائيلى لا يستخدم قنبلة بهذا الحجم وهذه القوة، بينما تتفنن آلته العسكرية يوميًا فى القضاء على شعب أعزل.
كنت أظن أن الدروس المستفادة من مأساة هيروشيما وناجازاكى سوف تظل حاضرة فى الوعى العالمى، وأن المسؤولين الأمميين، ورؤساء الدول الكبرى، سيحرصون أشد الحرص على منع تكرار مثل هذه المآسى، وأن يبدو التزاما بمستقبل خالٍ من الأسلحة النووية، ومن الإبادات، وإسالة الدماء والتشريد والتهجير. ولكن ربما نسى أصحاب الشأن ما حدث فيهم.