بقلم : عبد اللطيف المناوي
عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض فى سابقة ليست الأولى بتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها الأكثر تأثيرًا، ليصبح الرئيس السابع والأربعين للبلاد بعد معركة سياسية ليست شاقة، بل نجح فيها «ترامب» فى إعطاء خصومه درسًا فى كيفية إدارة العلاقة بين السياسى والجمهور، حيث كان درسًا مليئًا بالأحداث التى أثارت جدلًا واسعًا محليًا وعالميًا، ومنها على سبيل المثال محاولة اغتياله.
هذا الرجل الذى وعد باستعادة عظمة أمريكا وإطلاق عصرها الذهبى، قال مرارًا إنه سيحول أقواله إلى أفعال، ولكن السؤال الأكبر: هل سينجح فى تحقيق هذه الوعود أم أنها ستظل مجرد شعارات؟
لقد أثبت «ترامب» مرونة سياسية غير عادية، وقدرة على تجاوز المحن، سواء كانت محاولات عزله أو القضايا الجنائية التى لاحقته. لكنه لم يكتفِ بالنجاة من هذه التحديات بل استثمرها فى تعزيز مكانته داخل الحزب الجمهورى، ليصبح شخصية محورية وملهمة للكثير من أنصاره. ومع ذلك، فإن التاريخ يعلمنا أن القيادة ليست مجرد شعارات وأحلام، بل هى أفعال واستراتيجيات طويلة الأمد قادرة على تحقيق تغيير حقيقى ومستدام.
خطاب التنصيب الذى ألقاه «ترامب» حافل بالوعود الكبيرة. «العصر الذهبى يبدأ الآن»، قالها بثقة، مؤكدًا عزمه على إعادة الاحترام الدولى للولايات المتحدة. لكن تحقيق ذلك يتطلب مقاربة متزنة تجاه السياسة الخارجية، لاسيما فى عالم بات أكثر تعقيدًا وتشابكًا. فكيف سيتعامل «ترامب» مع التحديات التى تركها سلفه جو بايدن؟ هل سينجح فى رأب الصدع الداخلى وإصلاح علاقات أمريكا مع العالم؟
التاريخ أثبت أن عودة الزعماء إلى السلطة بعد فقدانها ليست بالأمر السهل. فالتجارب العالمية أظهرت أن العودة تأتى غالبًا مقرونة بتوقعات عالية وحسابات معقدة. فهل يمتلك «ترامب» الأدوات السياسية والنفسية ليتجاوز إرثه السابق الذى شابه الكثير من الانقسامات؟
وصف «ترامب» نفسه بـ«صانع السلام»، وهو تصريح يحمل فى طياته التحدى الأكبر. فمنذ مغادرته السلطة شهد العالم تصعيدًا فى أزمات عديدة، من الصراع فى أوكرانيا إلى التوترات فى شرق آسيا إلى حرب غزة، إذا كان «ترامب» جادًا فى وعوده فإن تحقيق السلام العالمى سيتطلب منه إعادة صياغة سياسة بلاده الخارجية بعيدًا عن النهج الانعزالى الذى طغى على فترته الأولى.
وفى الداخل، تواجه الولايات المتحدة أزمات اقتصادية واجتماعية متزايدة، من التضخم إلى الانقسامات العرقية والسياسية.
يمكن القول إن دونالد ترامب أطلق عاصفة من التوقعات مع عودته إلى السلطة. لكن الحقيقة التى ستكشفها السنوات المقبلة هى ما إذا كان سيصدق فى وعوده ويحقق التحول الذى طالما تحدث عنه، أم سيواجه نفس العقبات التى جعلت رئاسته الأولى مثيرة للجدل؟ فالأقوال وحدها لا تكفى، والأفعال هى التى ستُثبت إن كان قد «أفلح» حقًا.