بقلم : عبد اللطيف المناوي
مع حلول العام الجديد، تتجلى مشاعر متباينة فى المجتمعات العربية، حيث تختلط فرحة الاحتفال بالعام الجديد مع واقع اجتماعى وسياسى مضطرب.
فى غزة، التى تعيش تحت الحصار منذ سنوات طويلة، وتعرضت للتدمير الكامل بعد مغامرة ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ التى أطلقت العدوان الإسرائيلى الدموى والمدمر، تأتى احتفالات رأس السنة محمَّلة بواقع لا يوجد فيه إلا الدمار والموت بمتفجرات العدوان الاسرائيلى أو جوعًا أو مرضًا، ومؤخرًا أُضيف البرد والمطر إلى أسباب الموت.
رغم ذلك تتزين بعض الشوارع البسيطة بأضواء وزينة محلية الصنع، بينما تُقام تجمعات صغيرة فى الخيام، حيث يجتمع قليل الناس لتبادل الأمنيات للعام الجديد وهم يتلفتون حولهم خشية صاروخ قادم، أو توقعًا لصراخ وبكاء لفقيد جديد.
فى المشهد الغزّى، التفاؤل الوحيد يظهر فى وجوه بعض الأطفال الذين يعانون الواقع، ويأملون ببراءة الطفولة أن الغد قد يحمل فرصًا أفضل. أما فى السودان، فيبدو الاحتفال برأس السنة محدودًا وشبه غائب فى معظم المناطق.
فى المدن الكبرى، مثل الخرطوم، قد تجد بعض المحاولات البسيطة لإحياء المناسبة، بعض البالونات الفقيرة والأضواء الخافتة التى تحاول تحدى الليل وقتامة الواقع وغياب الأمل فى المستقبل. لكن المشهد العام يعكس قلقًا متزايدًا، حيث تتسيد الهموم المرتبطة بالنزوح ونقص الخدمات الأساسية. ومع ذلك، يظهر الجانب الإيجابى فى مبادرات تطوعية تعمل على دعم المجتمعات المحلية، ما يعكس قدرة الشعب السودانى على الصمود فى وجه التحديات. إذا سمحت القوى السودانية المتصارعة، من الجيش والدعم السريع، بأى لمحة إيجابية تعطى أملًا.
فى دمشق، تبدو الاحتفالات برأس السنة مختلفة هذا العام. الإدارة الجديدة بقيادة أبومحمد الجولانى قررت اعتبار أول السنة الميلادية إجازة رسمية فى كل البلاد. وهو قرار يتماشى مع الصورة التى يعمل على رسمها، بحيث تكون بعيدة كل البعد عن الأصول الجهادية والإرهابية له ولجماعة حكمه الجديد. استعادت المدينة تدريجيًا بعضًا من أجواء الفرح التى افتقدتها خلال سنوات الحرب. وطغت أحاسيس التفاؤل بالمستقبل على التخوفات الكامنة من ذات المستقبل. الإشارات تبدو فى معظمها مطمئنة، ولكن يبقى الخوف والتوجس شعورًا عاقلًا فى ظل أجواء غير معروف فيها مصداقية إشارات التغيير وتعبيرها عن تغير حقيقى أم مرحلى لحين التمكن.
تتلألأ شوارع العاصمة بالأضواء، وتنطلق بعض الألعاب النارية غير المكلفة لتمر على السوريين ليلة رأس سنة لم يعرفوها من قبل بهذه الروح.. لكن خلف هذه الاحتفالات يظل الوضع الاقتصادى ضاغطًا على حياة الناس، والمستقبل المجهول حاضرًا حتى لو اختفى وراء بهرجة الأضواء.
تعكس مشاهد الاحتفال برأس السنة فى غزة والسودان ودمشق واقعًا عربيًا مليئًا بالتناقضات.. ففى كل مكان يتصارع القلق مع التفاؤل، والخوف مع الأمل.
هذه الاحتفالات، على بساطتها أو محدوديتها، تحمل رسالة واحدة: رغم كل الصعوبات يبقى الإنسان العربى متمسكًا بحقه فى الأمل بمستقبل أفضل.