بقلم : عبد اللطيف المناوي
أثار إعلان حماس اختيار يحيى السنوار لخلافة الراحل إسماعيل هنية فى رئاسة المكتب السياسى للحركة، الكثير من ردود الأفعال الدولية والإقليمية.
تقييمى الشخصى، والذى قد لا يكون ما تفكر فيه حماس بالأساس، هو استمرار سيطرة ما يمكن تسميته «حماس الداخل» على قرار الحركة، فهم الأكثر قربًا من الواقع الفلسطينى على المستوى المكانى، ومن حيث التفاعل على الأرض كذلك، على حساب «حماس الخارج»، الموجودين فى دول إقليمية، كخالد مشعل وغيره.
بالتأكيد، يبقى حضور «حماس الخارج» فى المشهد العام، سواء بالتأثير أو التواصل، إلا أنه يظل تأثيرًا محدودًا على القرارات الخاصة والمصيرية فى غزة.
إعلان اختيار «السنوار» يؤكد أن القرار من غزة، وليس من مكان آخر. فإسماعيل هنية، قبل اغتياله فى طهران، كان يبدو وكأنه صاحب قرار فى مسألة التفاوض والهدنات السابقة مع إسرائيل، ما نجح منها وما لم ينجح، تمامًا مثل «السنوار»، الذى كان حاضرًا من اللحظة الأولى فى التفاوض. الأكيد أن المفاوضات دائرة، و«السنوار» هو صاحب القرار فيها منذ اللحظة الأولى.
«السنوار» يعرفه الإسرائيليون جيدًا، ربما ليس بالشكل المباشر، لكنهم يعرفونه من خلال القرارات والمواقف التى تتخذها وفود المفاوضين من الحركة. فهى غالبًا ما تكون قرارات اتُّخذت من غزة، وأن أحد الفاعلين الرئيسيين فيها هو «السنوار».
اختيار الرجل الذى لم تستطع آلة الحرب الإسرائيلية الوصول إلى مكانه، ربما ذكَّرنى بمقولة «علىَّ وعلى أعدائى»، وهى تصعيد من جانب الحركة فى مقابل التصعيد الذى لا ينتهى من إسرائيل، بل إن تصعيد تل أبيب مرشح للزيادة بترقية «السنوار» الذى كان قائدًا للحركة فى غزة فقط.
المسألة خرجت عن إطار حتى الحرب، خرجت عن إطار مباراة ملاكمة قوية وعنيفة، إذ خلع الجانبان فيها القفازات ليدخلا فى عراك خارج حتى حدود المناورات والمغامرات المحسوبة. لقد أصبح الوضع أكثر صعوبة، فكلا الطرفين فى هذا الوقت لا يقبل الآخر، ولا يفكر من الأساس فى التفاوض أو سماع الطرف الآخر، وربما لا يفكرون أيضًا فى سماع الوسطاء.
إذا كانت هناك نقطة مضيئة فهى أن يحيى السنوار لم يتورط فى اختطاف حركة حماس لغزة فى ٢٠٠٦، ولا فى الدماء التى أُسيلت بسبب الأزمات بين حماس وفتح فى حدود هذا التاريخ وما قبله، وهذا يعنى أملاً- ولو ضئيلاً للغاية- فى فرصة تواصل داخلى فلسطينى- فلسطينى، قد يأتى معه بعض الفرج، ولكن النقطة المضيئة شديدة الخفوت.
كلمة أخيرة بخصوص الوسطاء: أعلم أن الجميع الآن يضرب أخماسًا فى أسداس. فالجانبان فى تصعيد مستمر، والحقيقة المؤكدة أن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها. أعلم أن النوايا من البداية كانت صادقة، وكان الهدف هو المواطن الفلسطينى البسيط الذى يدفع ثمن مغامرة السابع من أكتوبر، لذا إن الاستمرار فى التوسط هو واجب إنسانى، رغم صعوبته الشديدة.