بقلم : عبد اللطيف المناوي
ما حدث فى البيت الأبيض بين جبهة ترامب- فانس ضد زيلينسكى قد يكون نقطة تحول فى مسار الحرب الروسية الأوكرانية. إذا ضغطت إدارة ترامب على كييف للقبول بتسوية سياسية، فقد يؤدى ذلك إلى وقف إطلاق نار غير مستقر، وربما إلى تقسيم فعلى لأوكرانيا، حيث تبقى المناطق التى تحتلها روسيا خارج سيطرة كييف.
مدى قدرة أوروبا مجتمعة على دعم أوكرانيا وحدها، إذا ما تخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن الاستمرار بالمشاركة فى دعم أوكرانيا، هو أمر محل شك كبير، فحتى لو قررت دول مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تقديم المزيد من المساعدات، مثلما فعلت بريطانيا، أمس، بتقديم «قرض» قيمته أكثر من ٢.٢ مليار جنيه استرلينى بقليل، فإن القدرات العسكرية والاقتصادية الأمريكية لا يمكن تعويضها بسهولة.
الخلاف بين واشنطن والعواصم الأوروبية بشأن أوكرانيا ليس الأول من نوعه، لكنه قد يكون الأخطر منذ نهاية الحرب الباردة. منذ تأسيس حلف الناتو، كانت الولايات المتحدة هى القائد الفعلى للمعسكر الغربى، لكن تصريحات ترامب وموقفه من الحرب يضعان هذا الدور تحت التساؤل.
هذا الموقف يعيد إلى الذاكرة أن ترامب كان قد وصف الاتحاد الأوروبى، فى ولايته الأولى، بالعدو الذى أُنشئ «لإلحاق الأذى بالولايات المتحدة فى مجال التجارة». ويمكن الآن ملاحظة مدى عمق العداء الذى يضمره ترامب للحلفاء الأوروبيين، وهو ما يطرح التساؤل عما إذا كان هدفه الحقيقى هو القضاء على الاتحاد الأوروبى.
إذا استمرت واشنطن فى الضغط على كييف للقبول بوقف إطلاق النار بشروط غير مُرضية للأوروبيين، فقد نرى تصدعات أكبر داخل التحالف الغربى. هذا قد يدفع أوروبا إلى تبنى سياسات دفاعية أكثر استقلالية، وربما التفكير فى إنشاء منظومات أمنية جديدة بعيدًا عن الناتو.
لكن فى المقابل، لا تزال أوروبا تعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة فى الجوانب العسكرية والاقتصادية، مما يجعل فكرة «الاستقلال الأوروبى» معقدة وصعبة التحقيق فى المدى القريب. ومع ذلك، فإن الرسائل الأوروبية الأخيرة تشير إلى أن القارة لم تعد ترى واشنطن ضامنًا مطلقًا لأمنها، وأنها قد تبدأ فى البحث عن بدائل لتعويض أى تراجع أمريكى محتمل.
أما إذا تمكنت أوروبا من تعويض أى تراجع أمريكى، فقد تستمر الحرب لفترة أطول، مع دعم أوروبى أكبر ومحاولات مستمرة لمنع روسيا من تحقيق مكاسب إضافية.
بغض النظر عن السيناريو القادم، من الواضح أن العلاقة بين الولايات المتحدة وأوروبا لم تعد كما كانت، فالتوترات بين الطرفين تزداد، والخلاف حول أوكرانيا قد يكون بداية لتحولات استراتيجية أعمق فى التحالف الغربى ككل.