بقلم : عبد اللطيف المناوي
الإحصائيات الأممية المتخصصة عما أحدثته الحرب من تأثيرات على قطاع غزة مؤلمة للغاية. فبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى مثلًا يقول إن الحرب دمرت تمامًا الاقتصاد الفلسطينى، إذ انخفض الناتج المحلى الإجمالى ٣٥٪ خلال مدة الحرب، وانهارت تمامًا مستويات التنمية إلى حدود ما كانت عليه فى الخمسينيات من القرن الماضى، أى بعد نكبة ١٩٤٨.
واستنادًا إلى بعض المعايير، فإن ذات الإحصائية تقول إن مستوى الفقر فى قطاع غزة وصل إلى ١٠٠٪، بينما وصل معدل البطالة إلى ٨٠٪.
شبكة بلومبرج أيضًا أظهرت بعض الحقائق المبنية على معلومات، منها مثلا أن كمية الركام الناتجة عن الدمار فى غزة، يقدر بنحو ٤٢ مليون طن، وهو رقم يعادل خطًا من الشاحنات يمتد من غزة إلى آخر نقطة فى الولايات المتحدة الأمريكية، وأن تكلفة نقل هذا الركام وحدها تبلغ حوالى ٧٠٠ مليون دولار، فيما تبرز أزمة فى مكان التخلص منه!
ويقول التقرير كذلك إن تقديرات تكلفة إعادة إعمار غزة بالكامل تتجاوز ٨٠ مليار دولار، ويشمل هذا الرقم إعادة بناء العمارات السكنية والمؤسسات التى تهدمت ويقال إنها تحتاج إلى ١٣ مليار وحدها، وكذلك إصلاح ما أفسدته إسرائيل من البنية التحتية فى القطاع، إضافة إلى إعادة تأهيل الأراضى الزراعية، حيث دُمِّر ما لا يقل عن ٥٠٪ منها، إذ كانت الزراعة جزءًا رئيسيًا من اقتصاد غزة.
الرقم يشمل أيضًا إصلاح الأنظمة الصحية والمستشفيات التى حرص الإسرائيليون على تدميرها تمامًا، وسوف يشمل إصلاح ما تضرر من البنية التعليمية، وإعادة بناء الشركات التى كانت تعمل فى غزة.
٨٠ مليار دولار لإعادة ترميم كل هذا، ولكن من أين يأتوا؟ فهذا الرقم يطرح تساؤلات كبيرة حول مصادر التمويل والجهات التى ستتولى تقديم الدعم المالى للقطاع فى هذه الفترة.
ربما تكون غزة الآن غير مهيأة تمامًا للبدء فى إعادة الإعمار، فكل شىء تم تدميره، والعقبات القانونية والأوراق الثبوتية والتى تثبت الملكيات كلها صارت فى خبر كان، وكأن ما كانت تفعله إسرائيل فعليًا هو محو هوية هذا الشعب الفلسطينى من الوجود. ربما تكون غزة الآن غير صالحة للاستخدام، ولكنها ستعود حتمًا.
إعادة الإعمار ليست مجرد عملية بناء وإصلاح وترميم بالتأكيد، بل هى معركة كبرى تتطلب تعاونًا دوليًا وجهودًا مشتركة بين كثير من المؤسسات الأممية الفاعلة فى هذا المجال، وبين الدول التى تبدى استعدادها لذلك دومًا. هى معركة سياسية كذلك، حيث من الضرورى أن تتولى السلطة الفلسطينية المسؤولية السياسية عن جهود إعادة الإعمار، وعمليات التنسيق مع الدول أو الجهات المانحة.
هذه أرقام وإحصائيات صعبة، وكلنا نتمنى أن تمر عملية إعادة إعمار القطاع من دون أى عقبات. ولكن ما يحضرنى حقيقة هو كيفية إعادة إعمار الإنسان الفلسطينى ذاته؟! ترميم البيوت عملية ممكنة، ولكن ترميم جروح أهل القطاع الذين فقدوا أحبائهم وأهلهم صعبة، وأتمنى من العالم أن يضعها فى الاعتبار.