بقلم : عبد اللطيف المناوي
دخل الرئيس الأمريكى فى مغامرة جديدة، ولكنها هذه المرة مغامرة اقتصادية تجارية مع عدد من القوى الاقتصادية الكبرى فى العالم، إذ قرر فرض رسوم جمركية على دول مثل الصين والمكسيك وكندا، ما قابلته هذه الدول أيضًا بالمثل.
فى الأسابيع الأولى من ولاية ترامب فى البيت الأبيض، تتزايد المؤشرات على أنه مازال يعتمد على أسلوبه التقليدى القائم على التصعيد والمفاجآت والمغامرات، وذلك على خلاف ما كنت أتوقعه وكتبته هنا فى أكثر من مناسبة، معتمدًا على خطابه الهادئ أثناء الانتخابات وقبلها، وعلى استعانته بمجموعة من المستشارين ذوى الرؤية والإدراك، ومنهم نائبه دى فانس.
لكن يبدو أن طبع ترامب غلب كل هذه التوقعات، إذ إنه أطلق نهجًا تصادميًّا يعتقد الرئيس الأمريكى ذو الخلفية الاقتصادية أنه سوف يحقق مكاسب اقتصادية وسياسية آنية، ولكن فى الوقت نفسه فإن هذا النهج يطرح تساؤلات حول استدامة هذه السياسات، خاصة عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد العالمى، وما يستتبعه من تغيرات سياسية.
من الواضح أن ترامب يُعيد إحياء بعض الأدوات التى استخدمها فى ولايته السابقة، مثل فرض الرسوم الجمركية المرتفعة والضغوط السياسية على المؤسسات الاقتصادية الدولية، وهى إجراءات تحمل فى طياتها مخاطر عميقة، إذ إن مثل هذه السياسات لا تقتصر آثارها على البلدان التى قرر ترامب خوض المغامرة معها، ولا على الداخل الأمريكى، بل تمتد إلى الاقتصاد العالمى، مما يسهم فى تأجيج الصراعات التجارية وتعزيز حالة عدم اليقين فى الأسواق.
الخطوة التى أقدم عليها ترامب نالت استهجان خبراء اقتصاد عالميين، إذ إن البعض أكد أن تلك المغامرة قد تؤدى فى النهاية إلى اضطرابات فى سلاسل التوريد العالمية، مما يرفع التكاليف على المستهلكين والشركات الأمريكية نفسها. كما أن هذا النهج التصادمى يضع الاقتصاد العالمى على حافة حروب تجارية جديدة، قد تضر بالحلفاء قبل الخصوم.
السياسات النقدية والمالية التى يتبناها ترامب لا تقل إثارة للجدل، إذ إنه يميل إلى فرض ضغوط على الاحتياطى الأمريكى، وهو ما قد يضر باستقرار الأسواق ويضع الدولار فى موقف صعب أمام العملات الأخرى. كما أن تهديداته بتقويض استقلالية المؤسسات الاقتصادية قد تؤدى إلى تراجع ثقة المستثمرين، مما قد يعزز التقلبات فى الأسواق العالمية.
فى ظل التحديات التى تواجه الاقتصاد العالمى، من التضخم المتصاعد إلى اضطرابات سلاسل الإمداد، فإن أى قرارات غير مدروسة، أو بمعنى أدق (مغامرات) أخرى، قد تفاقم الأوضاع وتؤدى إلى تداعيات تتجاوز الولايات المتحدة. وعليه، فإن السؤال الأهم ليس فقط كيف ستؤثر مغامرات ترامب على الوضع الاقتصادى العالمى، بل كيف يمكن كبح جماح مغامرات جديدة لأن العالم لا يحتمل.