بقلم : عبد اللطيف المناوي
تحدثنا أمس عن مفترق الطرق الذى يعيشه السودان، رغم استعادة الجيش السودانى سيطرته على مساحات واسعة من الأرض التى فقدها، خصوصًا العاصمة الخرطوم، حيث تُعَد الحرب المستمرة هناك بين قوات الجيش السودانى بقيادة البرهان من جانب وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتى من جانب آخر، واحدة من أكثر النزاعات دموية وتعقيدًا فى المنطقة.. ونؤكد من جديد أن آثارها تتجاوز حدود السودان، لتُهدد الاستقرار الإقليمى بأكمله.
إن استمرار الحرب الأهلية فى السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع يُهيّئ الأرض لواحد من أخطر التحولات الأمنية فى المنطقة، وهو تحوُّل السودان إلى ملاذ خصب للجماعات والميليشيات المسلحة ذات الأيديولوجيا المتطرفة. فمع الانهيار شبه الكامل لمؤسسات الدولة، وتفكك الأجهزة الأمنية، وغياب سلطة مركزية قادرة على بسط سيطرتها على كامل أراضى البلاد، تتوافر الشروط المثالية لظهور الجماعات المتطرفة التى تتغذى على الفوضى السياسية والفراغ الأمنى. وتشير تجارب مماثلة فى ليبيا وسوريا والصومال إلى أن بيئة مماثلة تُفضى فى العادة إلى تمدد الجماعات ذات الطابع الجهادى أو القومى المتشدد، والتى تجد فى المجتمعات المحرومة والمهمشة تربة خصبة للتجنيد والتمدد.
السودان، بتضاريسه الواسعة وصعوبة مراقبة مناطقه الحدودية، وبخاصة فى دارفور وكردفان والنيل الأزرق، يصبح أكثر عُرضة لاختراق شبكات تهريب السلاح والبشر، وهو ما يُسهّل عبور وتمركز جماعات متطرفة قد تأتى من مناطق صراع أخرى فى منطقة الساحل أو القرن الأفريقى. وتزداد الخطورة مع بدء تشكّل ميليشيات مكونة من تشكيلات قبلية تعتمد خطابًا تعبويًا وأحيانًا دينيًا فى حشد مناصريها، ما يفتح الباب أمام تطرفها الأيديولوجى مع الوقت، لا سيما فى ظل غياب أى رقابة أو قيادة مركزية تضبط هذه الجماعات.
والأخطر أن هذه الجماعات، إذا ما استقرت، قد تجد دعمًا ماليًا أو لوجستيًا من أطراف إقليمية تسعى لاستثمار الفوضى لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، وهو ما قد يحوّل السودان إلى بؤرة صراع مفتوحة تُهدد ليس فقط أمنه الداخلى، بل أمن الدول المجاورة، من مصر إلى تشاد وإثيوبيا وجنوب السودان، فضلًا عن تأثيرها المحتمل على طرق الملاحة البحرية فى البحر الأحمر.
وقد حذّرت تقارير أممية ومنظمات دولية من أن استمرار الصراع فى السودان دون تدخل دولى فعّال يفتح الباب أمام سيناريو «صوملة السودان»، وهو سيناريو تكون فيه البلاد مقسمة بين ميليشيات متصارعة، بعضها قد يتبنى أيديولوجيات متطرفة تُهدد الأمن الإقليمى والدولى، كما أشار تقرير لمجلس الأمن الدولى فى يناير ٢٠٢٤ إلى خطورة تحوّل السودان إلى «ملاذ آمن للإرهابيين» إن لم يتم وقف الحرب وإعادة بناء الدولة المدنية.
إن أحد أكثر التهديدات خطورة فى الحرب السودانية هو أنها لا تُنذر فقط بتقسيم الدولة أو انهيارها، بل بجعلها قاعدة جديدة للتطرف فى أفريقيا، وهو ما يتطلب استجابة إقليمية ودولية عاجلة تتجاوز مجرد المساعدات الإنسانية إلى فرض حلول سياسية وأمنية مستدامة.