بقلم : عبد اللطيف المناوي
يشهد السودان تطورات متسارعة على المستويات العسكرية والسياسية ستفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة قد تعيد رسم الخريطة السياسية للبلاد، وتمتد تأثيراتها إلى الإقليم بأسره.
من أبرز التحولات الأخيرة الإعلان عن تشكيل حكومة موازية لحكومة بورتسودان التى تعتبرها أطراف دولية كثيرة بما فيها مصر الحكومة الشرعية، وهو تحرك أثار جدلًا واسعًا، خصوصًا بعد توقيع «ميثاق نيروبى»، الذى جمع أكثر من عشرين كيانًا سياسيًا سودانيًا، بينهم عبدالعزيز الحلو، زعيم الحركة الشعبية (قطاع الشمال)، وقائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتى). هذا التحالف الجديد يُطرح كبديل سياسى، لكنه يفتقر إلى التماسك.
لم تؤدِّ هذه التطورات إلا إلى تعقيد المشهد، حيث عززت حكومة بورتسودان سيطرتها عبر إجراءات اقتصادية مثل تغيير العملة واستئناف التعليم فى المناطق التى تسيطر عليها، بينما تعانى المناطق الخاضعة لقوات الدعم السريع من التهميش، وهو ما دفع بعض السكان إلى مساندة حميدتى بدافع الضرورة. وفى المقابل، تسعى الحكومة الموازية إلى تأمين مواردها من ثروات إقليم دارفور، مثل الذهب والصمغ العربى، مستفيدةً من الفوضى الأمنية وضعف السيطرة على الحدود، حيث تتداخل المصالح بين المهربين والجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية.
دوليًا، تتزايد التحركات لاحتواء الأزمة. فى مجلس الأمن، تروج بريطانيا لمشروع يهدف إلى وقف الحرب، انطلاقًا من مخاوف من انقسام السودان مجددًا وتأثير ذلك على الاستقرار الإقليمى. كما تعتزم لندن استضافة اجتماع دولى فى إبريل المقبل لمناقشة مستقبل السودان، فى وقت ترى فيه الولايات المتحدة أن ظهور حكومة موازية قد يؤدى إلى تفاقم التهديدات الإرهابية فى البلاد، مما يهدد أمن البحر الأحمر.
عسكريًا، تشير التطورات إلى تزايد نفوذ قوات «الدعم السريع»، التى تسعى للحصول على قدرات جوية متقدمة، بما فى ذلك الطائرات المسيّرة، التى أثبتت فاعليتها فى نزاعات إقليمية سابقة. التحالف بين حميدتى وعبدالعزيز الحلو يضيف بُعدًا جديدًا للصراع، إذ يمنح قوات «الدعم السريع» امتدادًا فى جنوب كردفان، ما يشكل ضغطاً إضافيًا على الجيش السودانى، الذى قد يضطر بدوره إلى تعزيز تحالفاته مع الفصائل المسلحة فى دارفور، وهو ما سيؤدى إلى مزيد من الانقسام القبلى فى المنطقة.
التغير الكبير هو احتمال انفصال دارفور بدعم خارجى، خاصة من إسرائيل، التى تستغل المنظمات الإنسانية لتأجيج النزعات الانفصالية فى الإقليم. كما تشهد الساحة السودانية تفككًا فى الأحزاب التقليدية، حيث أدى انضمام قيادات بارزة إلى تحالف حميدتى إلى انقسامات حادة داخل حزبى الأمة والاتحادى.
فيما يبدو فرص إنهاء الحرب فى السودان ضئيلة فى المدى المنظور، حيث لا يزال الجيش متمسكاً بمكاسبه الأخيرة فى شرق السودان والخرطوم، بينما تسعى قوات «الدعم السريع» إلى تعزيز نفوذها فى دارفور وكردفان. وفى ظل غياب توافق سياسى داخلى، واستمرار التدخلات الخارجية، يبدو أن البلاد تتجه إلى مزيد من الفوضى والتفكك، دون أفق واضح للحل.