بقلم : عبد اللطيف المناوي
كلنا ننتظر بفارغ الصبر دخول اتفاق الهدنة بغزة حيز التنفيذ بمراحله المختلفة، والتى نأمل ألا يخترقها أحد، لاسيما فى وجود نتنياهو الذى يحاول قدر المستطاع أن ينجو بنفسه من الاحتجاجات الداخلية المتصاعدة من الداخل لأسباب عديدة معروفة للجميع.
الآن أُثبّت اللحظة والكادر على القطاع الذى اختلطت فيه رائحة الموت بدعوات جميع من تبقى فى القطاع بدخول الهدنة حيز التنفيذ، فجاء خبر إعلان وقف إطلاق النار على سكان القطاع أو المهجرين منه إلى مناطق أخرى أو إلى دول أخرى ليحمل أملًا فى غدٍ أفضل.
يحلم سكان القطاع أن تصمت أصوات الطائرات والقذائف التى مزقت سماء القطاع منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، ودمرت يابسه تمامًا، حيث صارت الأنفاس ثقيلة، الوضع الآن مزيج من الارتياح والخوف، وكأن الغزيين يستعدون ليوم جديد، هو فى جوهره امتداد لأمسهم المثقل بالألم.
ما بين شهيدٍ لم يُوَارَ بعد ذكراه، وطفل جريح يفتح عينيه ليبحث عن أهله وسط الحطام، تبدو لحظة وقف النار كأنها وعد متأرجح بين النجاة والاستمرار فى الواقع الأليم. عشرات الآلاف من الضحايا سقطوا، وآلاف آخرون تحمل أجسادهم جروحًا لا تندمل، وأرواحهم تسكنها ندوب لا يُرى لها نهاية.
غزة اليوم ليست كما كانت. لا بيوتها بقيت، ولا شوارعها احتفظت بمعالمها. لكنها قد تنهض من الرماد كما فعلت مرارًا.
ربما يكون مستقبلها بدون حماس، وبدون نيران، وبدون أزمات سياسية. فقط يبقى الأمل أن يكون المستقبل أكثر هدوءًا.
الأزمة الماضية علمتنا دروسًا قاسية عن الحياة والموت والسياسة، لكنها تمنحنا أيضًا بصيصًا من محاولات إدراك أن ما حدث فى السابع من أكتوبر كان أزمة غير محسوبة العواقب ولا النتائج، ما حدث يمنحنا فرصة أن نفكر فى المستقبل بعين أفضل وأكثر واقعية، أن ندرك أن ما لا يُدرك كله لا يُترك كله، أن السياسة لعبة الممكن والجائز، لا لعبة خطرة فى يد أشخاص لا يدركون معنى الأرض، ولا يدركون كيف تُدار اللعبة.
فبينما تهدّمت المنازل، ستبقى قلوب الغزاوية متماسكة على أمل غد أفضل.
الاتفاق تم برعاية مصرية- أمريكية- قطرية، وبعيدًا عن هذه الدول يظل الجميع على قلب رجل واحد يتمنى الخير لغزة.
أعلم أن الهدنة ليست نهاية الألم، لكنها بداية حوار الأمل. إنها فرصة لالتقاط الأنفاس، لتضميد الجراح، ولمسح دموع الثكالى، وللإدراك كما قلت، كما أنها تذكير صارخ بأن العالم مازال صامتًا أمام كل هذا الخراب.
ورغم ذلك كله، يُصرُّ أهل غزة على الحلم، يخرجون فى الشوارع ويهتفون. هم يعلمون أنهم لم ينتصروا، لكنهم يحتفلون ببقائهم أحياء. يتخيلون غدًا حيث تعود الحياة، وتُفتح المدارس التى تحولت إلى ملاجئ. أتمنى أن يأتى هذا اليوم سريعًا، وأن يدرك الجميع قيمة وطنه.