بقلم : عبد اللطيف المناوي
شهدت منطقة كشمير مؤخرا تطورا خطيرا يعيد إلى الواجهة واحدة من أكثر بؤر التوتر ديمومة فى جنوب آسيا. ففى هجوم مسلح وُصف بأنه «الأعنف منذ سنوات»، قُتل ما لا يقل عن ٢٦ شخصا من السياح الهنود فى بلدة «باهالجام»، إحدى أبرز الوجهات السياحية فى كشمير الهندية، بينما لم تعلن أى جهة مسؤوليتها بشكل رسمى، رجحت التقارير تورط جماعة مرتبطة بتنظيم «لشكر طيبة» الباكستانى.
هذا الحادث الدموى يعكس أبعادا متعددة للصراع الكشميرى، ليس فقط من حيث طبيعة العنف الطائفى وتوقيته، بل فى ما يثيره من تداعيات سياسية واقتصادية وعسكرية تعمّق الشقاق بين الجارتين النوويتين، وتعيد إلى الأذهان فصولا مؤلمة من مواجهات سابقة لا تزال آثارها ماثلة حتى اليوم.
منذ استقلال الهند وباكستان عام ١٩٤٧، ظلّ إقليم كشمير - ذو الغالبية المسلمة - نقطة نزاع مفتوح بين الدولتين. اختيار مهراجا كشمير الانضمام للهند كان بمثابة الشرارة التى أشعلت أولى الحروب بين الطرفين، تبعتها حروب متعددة.
ورغم فترات من التهدئة، أبرزها وقف إطلاق النار عام ٢٠٠٣، فإن المنطقة بقيت عرضة لاشتعال متكرر. الخطوة الأشد تأثيرا كانت فى أغسطس ٢٠١٩، حين ألغت حكومة ناريندرا مودى الحكم الذاتى الجزئى لكشمير، ما فُهم كخطوة استفزازية من قبل سكان المنطقة، وجعل الوضع أكثر توترا.
الهجوم الأخير يحمل رسالة مزدوجة: أولا، استهداف الرمزية الوطنية فى قطاع السياحة الذى تسعى الحكومة الهندية لتعزيزه فى كشمير بعد سنوات من العنف، وثانيا، محاولة واضحة لزرع الفتنة الطائفية، حيث أفاد الناجون بأن المهاجمين ركّزوا على غير المسلمين، فى تكرار لأسلوب إثارة النعرات الطائفية لتحقيق أهداف سياسية.
نفت إسلام آباد أى صلة بالحادث، ووصفت ما جرى بأنه «تمرد محلى». وقطع رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى زيارته للسعودية، المرجّح أن التصعيد لن يكون مجرد رد أمنى عابر.
الهجوم يعيد الصراع إلى الواجهة فى وقت حساس داخليا لكلا البلدين. الهند تعانى من تصاعد التوترات الطائفية، وباكستان ترزح تحت ضغوط اقتصادية وسياسية. لذا، فإن أى توتر جديد فى كشمير قد يتحول إلى أداة سياسية داخلية، أو حتى إلى ذريعة لتصعيد عسكرى.
وبينما تؤكد الهند عزمها «استئصال الإرهاب من جذوره»، ترد باكستان باتهامات للهند بتأجيج الأوضاع فى كشمير عبر سياسات قمعية وانتهاكات موثقة لحقوق الإنسان.
لم تؤد مبادرات السلام السابقة بين الهند وباكستان إلى نتائج مستدامة، وكان التعثر المستمر فى المحادثات ناتجا عن غياب الثقة المتبادلة، وتداخل المصالح الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى نفوذ الجماعات المسلحة العابرة للحدود.
الهجوم الأخير يفتح الباب أمام تصعيد جديد ما لم تُبادر قوى إقليمية أو دولية ذات ثقل، مثل الصين أو الولايات المتحدة، إلى كسر الجمود وتقديم مبادرات فاعلة تضمن وقف التدهور الأمنى.
يبقى الأمل فى السلام مؤجلا، وتظل كشمير «الجنة الملعونة» التى تتكرر مآسيها، بينما يغيب الحل.