بقلم : عبد اللطيف المناوي
فى تحول مفاجئ يكاد يختصر صراع العصر بين النفوذ السياسى والحضور الاقتصادى، أعلن إيلون ماسك، أحد أبرز رموز ريادة الأعمال فى العالم، تخفيض انخراطه فى العمل الحكومى ليتفرغ مجددًا لإدارة شركته المتعثرة «تسلا». هذه العودة ليست فقط استجابة لانهيار أرباح الشركة، بل تعبير عن مفترق طرق خطير: من يُفسد من؟ السياسة أم عالم الأعمال؟
«ماسك»، الذى لطالما جمع بين الابتكار والاستفزاز، تورط مؤخرًا فى إدارة «وكالة الكفاءة الحكومية» التى أنشأها الرئيس ترامب بهدف تقليص النفقات الحكومية. لكن هذا الدور الجديد لم يكن بلا كُلفة. فدوره المثير للجدل فى تلك الوكالة، ومواقفه السياسية الحادة، تسببا فى موجة احتجاجات طالت منشآت «تسلا» نفسها، وأدت إلى تراجع حاد فى المبيعات، وصل إلى انخفاض بنسبة ٧١٪ فى صافى الأرباح خلال الربع الأول من عام ٢٠٢٥.
المفارقة هنا أن «ماسك» لطالما قدم نفسه باعتباره شخصية «فوق السياسة»، مهتم فقط بالتكنولوجيا والمستقبل. إلا أن دعمه العلنى لـ«ترامب»، وسماحه بعودة خطاب الكراهية والتطرف على منصته الاجتماعية «إكس»، دفع قطاعًا من الجمهور إلى التساؤل عن مدى أخلاقية موقفه.
خبير العلامات التجارية، كيلى أوكيف، وصف ما فعله «ماسك» بسمعة «تسلا» بأنه أشبه بـ«جريمة قتل للعلامة التجارية». فقد كانت «تسلا»، بالنسبة لكثير من المشترين، أكثر من مجرد سيارة، كانت موقفًا أخلاقيًا واستثمارًا فى مستقبل نظيف. ولكن بمجرد أن تحولت هوية «ماسك» السياسية إلى العلن تصدعت هذه الصورة.
السؤال هو: هل السياسة تُفسد رجال الأعمال، أم أن بعض رجال الأعمال يُفسدون السياسة والاقتصاد معًا؟ فى حالة «ماسك» يبدو أن المزج بين الحضور السياسى الطاغى والطموح الاقتصادى الجامح أنتج حالة من التنافر المؤسسى، لا يدفع ثمنها «ماسك» وحده، بل شركاؤه وموظفوه والمستهلكون أيضًا.
ارتفاع أسهم «تسلا» بعد إعلان «ماسك» تقليص دوره فى الشأن الحكومى ليس فقط تفاؤلًا، بل تعبير عن رغبة فى عودة «ماسك» إلى جذوره: مهندس ومبتكر، لا ناشط سياسى.
إعلان «ماسك» أنه سيخصص وقتًا أطول لـ«تسلا» قد يكون بداية لاستعادة بعض الثقة، إلا أن هذه الثقة لن تعيد المشترى إذا ظل الملمح السياسى يهيمن على صورة «ماسك».
ربما تكون عودة إيلون ماسك لإدارة «تسلا» فرصة لإنقاذ ما تبقى من إرث شركة كانت رمزًا للثورة التكنولوجية. لكنها أيضًا تذكرة بأن حدود التأثير السياسى لرائد الأعمال لا يجب أن تتجاوز ما يسمح به منطق السوق وقيم الجمهور، سواء كانوا زبائن أم مراقبين. فالتكنولوجيا يمكن أن تُغيّر العالم، لكن السياسة قد تُغيّر نظرة العالم إليك.
القضية هنا أوسع من «ماسك» و«تسلا».. إنها عن التوازن الهش بين الطموح السياسى ومصلحة رأس المال.