عبد الرحمن الراشد
في الساحة العراقية تسمع كل الأصوات، من أقصى التعقل إلى أقصى التطرف، بين دعاة المصالحة وطلاب التقسيم، فالعراق في حالة احتراب وفي بداية حرب أكبر عسى ألا تحدث.
كلنا نخطئ نوري المالكي، رئيس الوزراء، لأنه السبب في الفوضى وإذكاء الفتنة ودفع البلاد إلى منحدر قد لا يخرج منه إلى عشرين عاما مقبلة، ويحيل حكومته إلى حكومة فاشلة مثل سوريا والصومال وأفغانستان. هذا المصير المرعب يدرك خطره عقلاء السياسيين وقيادات البلاد الدينية والاجتماعية، وهناك من لا يتسع عقله لفهم أبعاد المشكلة ومستقبلها، من بينهم بعض السنة العرب العراقيين الذين فجأة ظهروا على التلفزيونات يملون شروطهم، مهددين ومتوعدين، رافضين مبدئيا للأفكار الأولية للمصالحة. وهم يشبهون غلاة الشيعة، من حيث جهلهم بعمق وخطورة الأزمة عليهم جميعا، والأمر الآخر لا يمثلون الغالبية الكبيرة من العراقيين الذين يريدون دولة تمثلهم جميعا، وتمنحهم ما حرموا منه ثلاثين عاما بسبب الحروب وسوء الحكم. في ظل حكم المالكي لثماني سنوات لم يحصل معظم الشيعة إلا على الفقر والنسيان، والقلة أثرت ثراء فاحشا.
العقلاء من السنة يطرحون مطالب هي لصالح العراقيين جميعا، أساس المصالحة وإقامة دولة عادلة. معظمها إنهاء مرحلة وبدء أخرى، بإطلاق سراح المتهمين، والملاحقين، والمحكومين، وإنهاء قانون الاجتثاث، واحترام حق المشاركة في الحكومة لجميع القوى العراقية التي انخرطت في العملية السياسية. هذه معظم مطالب المعتصمين في الأنبار قبل ستة أشهر الذين طاردهم المالكي وحاول القضاء عليهم بتهمة زائفة هي الإرهاب.
الذين يتحدثون خارج هذا السياق من السنة ويزايدون هم مثل نظرائهم من متطرفي الشيعة، هدفهم تخريب المصالحة وتمكين الفوضى من البلاد. أحدهم اعتبر أن كل السنة العرب الذين انخرطوا في العملية السياسية من وزراء ونواب ومحافظين مرفوضون، وأنهم لا يمثلون ثوار السنة اليوم! ومن الواضح أنه يريد إقصاء ممثلي السنة لغاية شخصية. فالذين قاطعوا العملية السياسية في السنوات الثماني الماضية هم من يلامون لأنهم أهملوا حقوق أبناء مناطقهم، وغياب مشاركة السنة العرب سبب في ضعف الدولة، وهيمنة المالكي ورفاقه، وليس العكس. وعندما يلوح المتطرفون بالفوضى والخراب فهم يلحقون الأذى أولا بأهاليهم، في المحافظات السنية، التي تعاني أكثر من غيرها. وعلى المتطرفين السنة، مثل المتطرفين من الشيعة، أن يدركوا حقائق السياسة تلك التي أبعد من أنوفهم، لن يجدوا دولة سنية واحدة، أو غيرها، ستساندهم إن قرروا إفساد المصالحة، أو دفعوا باتجاه إسقاط النظام السياسي بدلا من إصلاحه، أو قرروا تقسيم البلاد، بل إن معظم دول المنطقة، التي رغم اختلاف رؤيتها حيال ما يحدث، تتفق على رفض تقسيم العراق، ولن تقبل بأن تحكمه جماعات متطرفة أو إرهابية. والذين يدافعون عن تنظيم «داعش» عليهم أن يعلموا أنهم يواجهون العالم كله، وفي مقدمته السعودية وإيران وتركيا والأردن والولايات المتحدة وأوروبا وروسيا. يستحيل أن يهزم المتطرفون هذا الإجماع الدولي.
ما طالب به معتصمو الأنبار في ديسمبر (كانون الأول) الماضي معظمه عادل، يستحق التأييد، وقد حققت مطالبهم تأييدا واسعا من قبل القيادات العراقية الوطنية، الشيعية والكردية والسنية، وضعت المالكي في الزاوية اليوم. الأنباريون هم من قادوا الرأي العام العراقي والدولي ضد حكومة المالكي السيئة التي كانت مستعدة لتخريب العراق من أجل بقائها. لهذا على السنة ألا يدعوا المتطرفين يقومون بخطف ثورتهم، ومطالبهم، وعقولهم، وقد أصبحوا قريبين من تحقيق العدالة التي طالما طلبوها.