عبد الرحمن الراشد
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برر وحذر قائلا: لا يمكنكم دعم أناس يأكلون أعضاء البشر. قالها يريد تخويف الغرب، الخائف أصلا أن تتكرر مأساة إيران، حيث خلف الشاه السيئ نظام أسوأ، عدائي وحشي دموي، وحل محل العدو السوفياتي في أفغانستان أشرار «القاعدة».
سوريا المستقبل مهددة بمشكلتين، بعض الثوار في الداخل والمعارضة السياسية في الخارج. توجد جماعات مسلحة خارج سيطرة الجيش الحر، نجح نظام الأسد في الترويج لها لتخويف العالم منها، وهناك المعارضون الذين يشكلون القيادة السياسية والذين فشلوا في إثبات أنهم بديل أفضل من بشار الأسد. والذي يقلق العرب والغرب معا، ليس أكلة لحوم البشر بل المدنيون من لابسي ربطات العنق من المعارضة في إسطنبول وغيرها!
ربما الغرب يبحث عن عذر للتقاعس، لكن بالفعل توجد مشكلة خطيرة حيث لا قيادة سياسية حكيمة وموحدة بعد. يتساءلون: من سيحكم سوريا غدا، ثوار متوحشون وسياسيون جشعون؟!
الإخوان المسلمون، وبقية المعارضة في الائتلاف وخارجه، يتحملون مسؤولية كبيرة في الفشل حتى اليوم، وهم مسؤولون عن فشل الثورة غدا. من دون اتفاقهم، ووحدتهم، لن يوجد تأييد دولي، ومن دون تأييد دولي لن تكون هناك سوريا جديدة حتى لو انهار نظام الأسد. لهذا نرجو أن يعوا المسؤولية الخطيرة التي على عاتقهم اليوم.
ليس مستنكرا، ولا غريبا، أن تكون المعارضة مختلفة ومتنافسة لولا أن القضية السورية أخطر كثيرا من أن يتركوها من دون اتفاق على مبادئ الحكم والتوافق عليها. لقد تعرفت على المعارضة العراقية في المنفى منذ مطلع التسعينات، وإلى عشر سنوات تلتها، كانت نموذجا بائسا للبديل المحتمل لنظام صدام حسين. كانت خليطا من أبناء الذوات وأبناء العامة، وحملة الدكتوراه ولابسي العمائم، من كل الطوائف والأنحاء. الخليط يوحي إيجابا بالعراق كله إنما الصراعات بينهم كانت تشي بمستقبل مظلم. وجاءت الصدمة الأولى عندما عاد من لندن السيد عبد المجيد الخوئي في الأيام الأولى لسقوط النظام إلى النجف، هناك قتل أبشع قتلة، ليس من قبل نظام صدام المترنح، ولا من الفوضى، بل قتله منافسوه. ولولا أن اللاعب الرئيس في الساحة كان الجانب الأميركي لانتهت غالبية رموز المعارضة مقتولة على أيدي بعضها.
لهذا نتساءل هل المعارضة السورية أسوأ أم أفضل حالا من مثيلتها العراقية؟
تشبهها في نواح كثيرة إلا أن السوريين مسؤوليتهم كبيرة، حيث لا توجد قوة عظمى مستعدة لإطعامهم، وحمايتهم، وخلق مجلس حكم أولي لهم، وكتابة دستورهم، وتنظيم استفتاء عليه، وحراسة أجوائهم، وتأمين حدودهم من اللصوص والمتآمرين، وخلق مؤسسات للحكم، وتنظيم انتخابات برلمانية، والدفاع عنهم في مجلس الأمن، ومنحهم الشرعية الدولية، ومقاتلة خصومهم نيابة عنهم.
كل هذا لن يتاح للمعارضة السورية وبالتالي فمسؤوليتهم أعظم من تلك التي تحملتها المعارضة العراقية. والمؤشرات التي أمامنا تقول إن المستقبل صعب، فالمعارضة تعجز عن ائتلاف بسيط يستوعب الجميع، يمكن أن يكون تمرينا جيدا للمستقبل القريب عندما ينتقلون للعمل في منطقة الحكم في دمشق، ليست المنطقة الخضراء بالتأكيد.
مهمة الائتلاف والحكومة الآن ليست سهلة، لكنها ليست مستحيلة، عليهم أن يقبلوا بمبدأ التمثيل والمشاركة والانتخاب. ومن لا يأتيه الدور ويشارك في الحكم اليوم غالبا سيحكم في يوم ما لاحقا. عليهم أن يقبلوا بمبدأ تداول السلطة سلميا، بدستور يحمي الجميع، وتحديدا الأضعف في المجتمع كالأقليات، يمنحهم حقوقا متساوية، ويكفل الحريات، وله مرجعية تفسيرية عند الاختلاف.
هكذا يمكن أن تكون سوريا جديدة مستقرة لمائة سنة مقبلة. لكن نزاعات إسطنبول تقلقنا جميعا لأنها تخون الشعب السوري، الذي يضحي بأولاده وليس بأولاد الأميركيين، أو أولاد غيرهم، ويطمح للتخلص من نظام جلس على صدره. من دون تمثيل الجميع في الائتلاف، البرلمان المصغر، ومن دون مشاركة الجميع في حكومة المنفى، فإن أحدا منهم لن يجد حكما ولا برلمانا ولا بلدا. المعارضة بسلوك أفضل ستكسب جميع السوريين وتأييدهم، ودعم دول العالم، واحترام الجميع. بها يمكن أن تكون هناك سوريا جديدة من أول يوم يرحل فيه بشار.
ولن يغفر لهم أهلهم السوريون، إن راحت دماء فلذات أكبادهم، نتيجة تناحرهم وأنانيتهم. قد يقول البعض إنه من المبكر إلقاء هذه العظة والأسد جالس في قصره يخطط لخوض انتخابات العام المقبل. الهدف ليس سوريا ما بعد الأسد، بل قبلها. الآن، حيث صارت أكثر حكومات العالم تشكك وتشتكي، خائفة من الفراغ الذي سيخلفه إسقاط النظام.
نقلا عن جريدة الشرق الاوسط