الخوف من التغيير والانقلاب التركي

الخوف من التغيير والانقلاب التركي

الخوف من التغيير والانقلاب التركي

 العرب اليوم -

الخوف من التغيير والانقلاب التركي

بقلم : عبد الرحمن الراشد

عندما اكتظت شوارع القاهرة في يوليو (تموز) من عام 2013، بحشود ضخمة خرجت تحتج على الأوضاع الخدمية والأمنية السيئة بعد مرور عام واحد على تولي محمد مرسي الرئاسة، كان هناك خوف فاق المرة الأولى عندما خرجت الناس إلى ميدان التحرير قبلها بعامين. فارق كبير بين التجربتين في نفس العاصمة. وزاد الخوف ما شهدته الأيام التالية من اشتباكات في مناطق الاعتصام وخارجها، حتى لاح في الأفق، لأول مرة، أن ثورة يناير المصرية يمكن أن تسير في نفس المنحدر الذي رأيناه في ليبيا وسوريا، ولاحقًا اليمن. ولم تكن الأشهر التالية على إقصاء مرسي من الحكم سهلة، بما حفلت به من اشتباكات وتهديدات لاستقرار البلاد. ومهما اختلف الكثيرون على توصيف الحالة المصرية بين قائل إن شرعية مرسي جاءت بثورة الشارع وسقطت بشرعية الشارع الغاضب عليه، وبين من يعتبرها شرعية مستمرة مستمدة من أصوات الشعب، فإن استقرار مصر وعدم وقوعها في مواجهات وأزمات أمنية تقسم البلاد يعتبر مبررًا مقبولاً للوضع التالي، وإن بقاء مرسي مع الفوضى ليس خيارًا مقبولاً لبلد كبير كمصر.في تركيا الوضع مختلف، حيث إن تركيا دولة مستقرة، نظامها تطور ديمقراطيًا خلال ثلاثة عقود، والحكومة الحالية منتخبة بأغلبية كبيرة، ولا توجد في البلاد تيارات شعبية ضخمة معادية تطالب بتغيير النظام، بل مستعدة للانتخابات التالية. في هذا الوضع المستقر سياسيا فجأة وقعت محاولة الانقلاب، قبل أسبوع مضى، تهدف إلى تعطيل النظام المدني والاستيلاء على الحكم. شعرنا بأن العالم كأنه توقف فجأة في تلك الثلاث ساعات الخطيرة.وليس معقولاً، أو منطقيًا، ما طرحه البعض من تحليلات عن تصفية الحسابات الإقليمية من خلال تأييد الانقلاب، أو الترحيب به. وأنا لا أنفي أن هناك من هو غاضب من حكومة الطيب رجب إردوغان وعلى خلاف معها، فهذا جزء من واقع المنطقة المليئة بالخلافات والتحالفات. إنما، تقريبًا كل الحكومات الإقليمية، والمشتغلين في العمل السياسي، لا بد أنهم كانوا قلقين في تلك الليلة الحمراء الخطيرة، يحبسون أنفاسهم. يعرفون أن الانقلاب ستصاحبه انشقاقات، ومواجهات، وفوضى محتملة. فهل منطقة الشرق الأوسط قادرة على أن تحتمل أن تضرب الفوضى دولة خامسة؟ الحروب المستمرة في ليبيا، واليمن، والعراق، وسوريا أكبر من قدرة أي قوة في العالم على السيطرة عليها، أو محاصرتها، حتى لا تخرج وتؤثر على محيط المنطقة. لم يعد ينشغل العالم بالمأساة السورية المستمرة يوميًا، لأنه اعتاد على كوارثها حتى مل من مشاهدتها كل ليلة. لكن الوضع في سوريا يدمي القلب، وكان آخرها قبل يومين عندما قصف النظام أربعة مستشفيات ومركزًا للتبرع بالدم في حلب. لم نعرف عدد الضحايا، والقليل من التفاصيل وجدت مكانًا على شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد. كان العالم منشغلاً بجريمة ألماني من أصل إيراني فتح النار على المدنيين في مركز للتسوق في ميونيخ، ثم بعد أقل من يومين وقعت حادثة، حيث قتل مهاجر سوري امرأة بسكين كبيرة.من يتخيل كيف سيكون عليه حال المنطقة لو أصيبت دولة أخرى كبيرة مثل تركيا بنفس الحالة، ودبت فيها الفوضى والاشتباكات بسبب الانقلاب؟ إنه أمر مفزع للغاية للعالم وليس للأتراك والمنطقة فقط. حتى لو نجح الانقلاب فإن تركيا محكوم عليها حينها بالقلاقل نتيجة التغيير وانشقاق مجتمعها. لا أحد في هذه المنطقة يريد أن يرى تركيا، أو غيرها، تنضم إلى مجموعة الدول المنكوبة. ولا أحد في القارة الأوروبية يريد لتركيا أن تصبح بوابة للإرهابيين والمزيد من ملايين المهاجرين والفوضى التي تهدد منطقتهم. ومهما كانت الخلافات بين الدول فإن السياسيين يدركون العواقب من المغامرات غير المحسوبة، ويعرفون جيدًا أن محاولة تغيير أي وضع في المنطقة، ستصيب الجميع بشظاياها، وتهددهم جميعًا. وهذا ينطبق على الجميع، وأتصور أنه حتى إيران، وهي الدولة التي تشعل المنطقة بالحرائق، تخاف من تبعات التغيير في تركيا، وكذلك روسيا. وكما أظهرت التحقيقات الأولية، وكما شاهدنا في الصور من تلك الليلة، فإن الانقلابيين فصيل صغير من الجيش مرتبط بجماعة دينية، ولو نجح فمن المؤكد أن تليه انشقاقات داخل المؤسسة العسكرية، وربما مواجهات خطيرة.كل الاحتمالات التي يمكن للسياسيين أن يتوقعوها من التغيير في تركيا تؤكد أنه مغامرة لا أحد يتمناها. والهدف الذي يعمل عليه بعض الفاعلين في حكومات المنطقة اليوم هو العكس، أي تقديم تنازلات كبيرة من أجل إطفاء الحرائق المشتعلة في الجوار، في سوريا والعراق واليمن وإلى حد ما في ليبيا. والله وحده يعلم كيف كانت تركيا ستكون عليه لو وقع الانقلاب وانقسمت البلاد، شيء خارج التصور تمامًا.

arabstoday

GMT 01:00 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

الاتفاق السعودي في معادلة غزة

GMT 01:25 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

الفيل الأميركي والثعلب الإسرائيلي

GMT 07:47 2024 الأربعاء ,05 حزيران / يونيو

مبررات التحالف بين واشنطن وإسرائيل

GMT 01:09 2024 الأربعاء ,22 أيار / مايو

إيران... الرئاسة مرآة القيادة

GMT 00:54 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

طوكيو المثيرة للدَّهشة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخوف من التغيير والانقلاب التركي الخوف من التغيير والانقلاب التركي



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تعليق التدريس الحضوري في بيروت ومحيطها حتى نهاية العام
 العرب اليوم - تعليق التدريس الحضوري في بيروت ومحيطها حتى نهاية العام

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab