دبي استثنائية أم وليدة الظروف

دبي.. استثنائية أم وليدة الظروف؟

دبي.. استثنائية أم وليدة الظروف؟

 العرب اليوم -

دبي استثنائية أم وليدة الظروف

عبد الرحمن الراشد

نجاح هذه المدينة ثابت وليس محل تشكيك أو جدل، وهي لم تعد تجربة ولا مشروعا، بل كيانا مدنيا واقفا بذاته، ومن حق كل من شاء أن يكّونَ رأيه فيها.
الناس المعجبة أرجعت النجاح إلى أسباب مختلفة وأخطأت. من قال إن دبي أدركت أهمية المستثمرين العرب والأجانب، فشرعت لهم الأبواب، وهم من قاموا بالمهام الضخمة التي وضعت المدينة على الخريطة. ومع أن الاستثمار الأجنبي فاعل أساسي في مسار تنمية دبي، إلا أن هذا ليس صانع دبي، لأن الاستثمارات متوفرة في كل المنطقة من بحر بيروت إلى محيط المغرب، لكنها لم تصنع شيئا كبيرا كدبي. والحقيقة أن معظم مشاريع دبي الضخمة، من النخلة الأولى إلى منطقة وسط المدينة العملاقة، بما فيها المول العملاق وبرج خليفة، وكذلك شبه مدن صغيرة داخل دبي مثل المارينا، والواجهة البحرية السكنية، والمدينة الملاحية، وقرية الشحن، والمطار، وشركتي الطيران، ومنطقة جبل علي الصناعية، كلها مشاريع من تفكير وتخطيط مؤسسات حكومة دبي، وكان دور المستثمر الأجنبي فيها الاستفادة من الفرص المربحة له دائما.
وهناك من عزا النجاح للقطاع الخاص المحلي، وأن الحكومة مجرد إطار يقدم له خدمات الكهرباء والماء. هؤلاء ينسون أن حكومة دبي تملك معظم الشركات الكبرى، وقيادة القطاعين العام والخاص الفعلية واحدة، تحت شخص الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي. أيضا، لا ننسى عاملا مهما، وهو أن نظام دولة الإمارات نفسه الإداري من المرونة، وعدم المركزية، ترك لكل إمارة أسلوبها في المنهج والتنفيذ، واستمرت الحكومة الاتحادية تقدم الدعم لمعظم الخدمات الرئيسية لكل الإمارات دون أن تتدخل في كيفية إدارتها. لهذا تجربة دبي تصعب مقارنتها، أو تطبيقها كما هي في دول أخرى. ولأن مسؤوليات دبي الحكومية تدار باستقلالية، صارت مدينة الفرص الذهبية لطلاب النجاح، وكل من يملك فكرة عظيمة ويريد النجاح، مهما كانت جنسيته، صار معروفا أن دبي التربة الخصبة التي تنبت له ذهبا، فالبيئة مرنة ومشجعة، تسمح له بأن يجرب حظه ومهاراته.
في التفتيش عن السر، أحدهم قال لي جازما: سر نجاح دبي هو في القيادات الأجنبية، واستعداد حكومتها بتكليف غير المواطنين قيادة مشاريع الإمارة الكبيرة. وهذا ليس صحيحا. في دبي يوجد تعصب لتوطين التوظيف، وفي نفس الوقت تفتح الإمارة المجال للمبدعين والراغبين في مشاركتها من كل الجنسيات، وانفتاحها جزء من شخصية دبي العالمية، إلا أن معظم نجومها اللامعين هم إماراتيون، وأصبحت أسماؤهم معروفة عربيا ودوليا، مثل الشيخ أحمد بن سعيد، ومحمد القرقاوي، ومحمد العبار، وسلطان أحمد بن سليم، والفريق ضاحي خلفان، واللواء خميس المزينة، وحسين لوتاه، والمهندس مطر الطاير، وسامي القمزي، والمهندسة أمينة الرستماني، ومنى المري، وأحمد الشيخ، والقائمة طويلة. يعرف هذه الحقيقة من يتعاملون مباشرة مع الأجهزة والمؤسسات المختلفة، يرى إماراتيين وإماراتيات يديرون المرافق الناجحة، ومن دون مكابرة أو حساسية تتم الاستعانة بكفاءات وخبرات عالمية مختلفة.
وهناك من أشار إلى وجود قطاعات لم يفلح فيها أهل دبي، ضرب مثلا بالجامعة الأميركية، التي نجحت في الشارقة وبيروت والقاهرة، وأخفقت في دبي. قلت له: أولا، هذه المؤسسة لا تدار من قبل أهل دبي. وثانيا، ليست كل زوايا المدينة العملاقة مثل بعضها، وهناك مؤسسات تعليمية أخرى ناجحة، بسببها انتقلت عائلات بأكملها لدبي للاستفادة من خدمتها رغم غلاء أجورها ومعيشتها.
السر في نجاح دبي هو في قيادتها. حاكمها الشيخ محمد يعرف ماذا يريد، ويستحيل أن تتم هذه المشاريع المتعددة والمختلفة الإدارات دون أن تجتمع تحت قيادة شخصه، ويستحيل أن تستمر بنفس الروح والتطوير من دونه. ومن الواضح أنه يعطي رجال دبي ونساءها صلاحيات كاملة، وفي نفس الوقت يحاسبهم على النتيجة والوعود التي قطعوها. وهذا الوضوح في النهج الإداري ما ينقص الدول العربية حيث تتداخل الصلاحيات، وتضيع المسؤوليات، ولا توجد محاسبة، وهكذا تضيع الوعود ويتراكم الفشل. ومن المؤكد أن الشيخ محمد تحمل شخصيا الكثير من المخاطرة، فقد قاد دبي في ظروف صعبة ومنطقة خطرة، ومن حظ دبي أنها مرت بالأزمة الخطيرة لتثبت صلابتها، وفي تلك الأيام المروعة تسابقت الصحف العالمية تتعجل الأخبار بأن دبي تهاوت. وقال أحد كتّاب «الغارديان» عام 2009: «ستنال الرمال من دبي كما نالت الصحراء من مملكة رمسيس الثاني». المدينة وقفت في وجه الإعصار الخطير ونجت. وفي العقد ونصف دحرت التجربة أعذار الحكومات التي تبرر لنفسها الفشل، تارة بأن مؤامرات خارجية تعطل طموحاتها، وبعضها يتحجج بالفقر.. وللعلم مداخيل دبي من النفط لا تمثل سوى أربعة في المائة من مصاريفها، أقل بكثير من اليمن.
في تجربتها الكثير مما يستحق التأمل والتقدير، ليس بسبب ناطحات السحاب، أو شوارعها الفسيحة، أو شركاتها المربحة، بل في نموذجها الإداري الذي يمكن استنساخه في مشاريع المدن الحديثة، التي تعاني من الاختناقات الإدارية.

arabstoday

GMT 07:45 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

جوال قتّال

GMT 07:43 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

حرب الخطة أم حرب التداعيات؟

GMT 07:41 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الدهناء وبواعث الشجن

GMT 07:40 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

زيارة إلى وادي السيليكون الفرنسي

GMT 07:38 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

المُنية في مزايا الكُنية!

GMT 07:37 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

محاولات لفتح ملفات لوكربي المغلقة

GMT 07:35 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الطرح المخاتل لمشكلة الهجرة غير النظاميّة

GMT 07:24 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

المعرفة القاتلة والحرب المحتملة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دبي استثنائية أم وليدة الظروف دبي استثنائية أم وليدة الظروف



ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 05:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 05:53 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

استشهاد شقيق الصحفي إسماعيل الغول في مدينة غزة

GMT 13:29 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

"المركزي" التركي يثبت معدلات الفائدة عند 50%
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab