عبد الرحمن الراشد
لن أكون صادقا لو وصفت سياسة قطر المقبلة بالثبات أو التحول، بعد أن أصبح الشيخ تميم أميرها، هل ستذهب في نفس الاتجاه، ونفس السرعة التي قاد بها والده الشيخ حمد، ونفس الظروف، وبنفس الرجال والنساء؟ الحقيقة لا ندري.
الأكيد أن الشيخ حمد بن خليفة اختار الشيخ تميم ليكون ولي عهده، والآن اختاره ليسلمه أغلى ما عنده.. حكم دولة قطر. قرر تسليمه القيادة برغبته، وهيأ كل شيء لإنجاح الانتقال، لهذا نتوقع عهدا من الاستمرارية، ونتوقع أن تكون قطر تميم هي قطر حمد.
خلال 17 عاما، أثبتت قطر لنا، أنه ليس بالمساحة والسكان تقاس عزائم الأمم بل تستطيع أن تقرر وتغير. وفي المقابل، اتضح أن العمل الفردي مغامرة بالغة الخطورة على الدول في عالم متوحش. باختيارها وقرارها، ركبت المخاطر وصارعت في بحر السياسة الهائج، وكانت أعواما صعبة حقا، على قطر والجميع. ولا يحق لنا أن نقول إن سياسات الدول اختيارات خاطئة أو صائبة لأنها تقرر بناء على ظروفها ومصالحها وآمالها. الذي يستحق أن يقال عن الماضي، ويجوز أن نتمناه للمستقبل، أن يكون العمل الجماعي الخليجي هو الخيار القطري، لأن الدول الخليجية مجتمعة قوة حقيقية قادرة على تغيير المنطقة، وتؤثر على قرارات العالم حيالها. حتى دولة خليجية كبيرة، كالمملكة العربية السعودية، تعلم أنها مع الخمس دول الخليجية الأخرى تملك تأثيرا هائلا يستحيل أن تحقق مثله وحدها. أمامنا اليمن وسوريا ولبنان وبالطبع إيران، هذه ملفات أربعة مشتعلة مرتبطة بأمن ومصالح دول الخليج. الملف اليمني يمثل أفضل نجاح سياسي، ولولا الجهد الخليجي الجماعي ربما كنا واجهنا اليوم حربا أهلية أخرى يموت فيها آلاف الناس، وعمقت ثارات تزعزع المنطقة لسنين طويلة. وبمثل نصف هذا الجهد الجماعي أيضا، تنشط دول الخليج ضد دول محور إيران في سوريا ولبنان. قطر دولة مهمة في كل القضايا الإقليمية، والعمل الجماعي لا ينتقص من قيمة وسيادة أي دولة، مهما كان حجمها، كل منها تملك سهما كاملا مثلها مثل الدولة الكبرى السعودية في الصوت والفيتو ضده.
الشيخ تميم تسلم من والده ملفات ملتهبة، ولقطر فيها دور كبير جدا يمكن أن تغير إيجابا منطقتنا شبه المهددة بانهيارات خطيرة إيجابيا، وأن تدفع بها نحو الاستقرار. لقد ساهمت قطر كثيرا في إسقاط نظام شرير في ليبيا، ثم رأت أن إسقاط نظام صعب مثل القذافي أهون من بناء نظام بديل. ولمثل هذا السبب تنفق دولة عظمى، كالولايات المتحدة، الكثير من الوقت والجهد لإقناع عشرات الدول لمشاركتها في أي جهد سياسي أو عسكري.
قطر يتسلم حكمها الشيخ تميم دولة حديثة، فاعلة، قوة سياسية واقتصادية، وشريكا في الكثير من القضايا العربية والإقليمية الأخرى، وكل ما تحتاج إليه أن تكون في المركب الخليجي الجماعي نفسه، لأن ما تقرره قطر في أي مكان في عالمنا يؤثر على بقية دول الخليج. والكل يقدر تجربة الشيخ حمد في عصرنة قطر، ومنح بلاده مكانة تنموية كبيرة، وإعطاء المرأة دورا متقدما جدا.
نقلا عن جريدة الشرق الاوسط