هُدوءٌ يَسبِق العاصفة في ليبيا

هُدوءٌ يَسبِق العاصفة في ليبيا

هُدوءٌ يَسبِق العاصفة في ليبيا

 العرب اليوم -

هُدوءٌ يَسبِق العاصفة في ليبيا

عبد الباري عطوان
بقلم - عبد الباري عطوان

تسود الجبَهات الليبيّة حالةً من الهُدوء ربّما يكون الهُدوء الذي الذي يَسبِق العاصفة، لأنّ طرفيّ الصّراع، أيّ حُكومة الرئيس فايز السراج التي تتواجد في غرب البِلاد خاصّةً في طرابلس ومصراته، وحُكومة الجِنرال خليفة حفتر التي تُسيطر قوّاتها على المِنطقة الشرقيّة حيثُ تُوجَد مُعظم آبار النّفط واحتِياطاته وتُحاصِر العاصمة، تستغلّان اتّفاق وقف إطلاق النّار الذي صدر في خِتام مُؤتمر برلين من أجل تعزيز قوّاتهما والاستِعداد للجولة القِتاليّة الجديدة.

الدكتور غسان سلامة، المبعوث الدوليّ إلى ليبيا، أكّد هذه الحقيقة في تقريره الذي قدّمه إلى مجلس الأمن الدولي، حيث كشف أنّ الجِنرال حفتر يُعزِّز قوّاته على طُول خُطوط جبهة طرابلس، حيث يتدفّق المُقاتلون المُرتزقة مِن السودان وتشاد إلى جانِب مَعدّاتٍ عسكريّة تَصِل إلى مطار بنينة، وقاعدة الخادم الجويّة في الشرق على متن طائرات شحن، وبمُعدّل أكثر من رحلةٍ يوميًّا، وفي الوقتِ نفسه وصل آلاف المُقاتلين السوريين إلى طرابلس، وانتشروا إلى جانب قوّات تابعة لحُكومة الوفاق، المُعتَرف بها من قِبَل الأمم المتحدة.

وكالة ” أسوشيتد برس” العالميّة قالت إنّ أكثر من 4000 مُقاتل سوري أرسلتهم تركيا وجنّدتهم وصَلوا إلى العاصمة الليبيّة، وأنّ العشَرات منهم، إن لم يَكُن أكثر ينتمون إلى جماعاتٍ إسلاميّة مُتطرّفة مِثل “القاعدة” و”الدولة الإسلاميّة” ولكن المرصد السوريّ لحُقوق الإنسان المُوالي للمُعارضة السوريّة ومقرّه في بريطانيا، يَعتقِد أنّ الرّقم أكبر بكثير وقد يفَوق الـ5000  مُقاتِل.
***

كان لافتًا أنّ الرئيس رجب طيّب أردوغان الذي هدّد بإرسال قوّات تركيّة لنُصرة حليفه السراج، واستِصداره قرارا عن البرلمان التركيّ يُشَرّع هذه الخطوة، لم يُرسِل إلا بضعة عشرات من المُستشارين، واكتَفى بإرسال المُقاتلين السوريين، بعد إغرائهم برواتبٍ عاليةٍ تَصِل إلى 5000 دولار شَهريًّا، لتَجنُّب وقوع خسائر في صُفوف القوّات التركيّة، ممّا قد يُؤدّي إلى تأليب الرأي العام التركيّ الرّافض في أغلبيّته لأيّ تورّط عسكريّ لبلاده في ليبيا (58 بالمِئة من الأتراك رفَضوا و34 بالمِئة أيّدوا)، حسب استِطلاعات الرأي.

إرسال هذا العدد من المُقاتلين السوريين إلى ليبيا في وقتٍ تتساقط فيه القُرى والبَلدات والمُدن السوريّة في ريف إدلب مِثل خان شيخون ومعرّة النعمان، وأخيرًا سراقب، أثار العديد من علامات الاستِفهام، مِثلَما أثار حالةً من الغضب في أوساط بعض أنصار المُعارضة السوريّة على مواقع التواصل الاجتماعي، مرفوقةً بانتِقادات للرئيس أردوغان نفسه.

السّؤال الذي يطرح نفسه هو أين سيذهب هؤلاء المُقاتلون السوريّون في حالِ جرى التوصّل إلى اتّفاقٍ بين الطّرفين المُتقاتِلين؟ فالمُرتزقة التشاديّون والسودانيّون الذين يُقاتلون في صُفوف قوّات حفتر يُمكن أن يعودوا إلى بلادهم، لكنّ الحال مُناقضٌ لذلك تمامًا بالنّسبة إلى المُقاتلين السوريين، فتركيا لن تقبل بعودتهم إلى أراضيها، والدولة السوريّة لن تُرحِّب بهم في مَناطِقها، وإذا استمرّ تقدّم الجيش العربيّ السوريّ مَدعومًا بالقوّات الروسيّة بالوتيرةِ الحاليّة، فإنّ سُقوط مدينة إدلب بات مسألة أيّامٍ معدودة.

هُناك خِياران أمام هذه القوّات التّابعة للمُعارضة السوريّة، فإمّا القِتال حتّى الموت في جبَهات القِتال التي قد تشتعل في الأيّام القليلةِ القادمة، أو أن ينضمّوا، أو نسبة كبيرة منهم إلى فُروع تنظيميّ “القاعدة و”داعش” في “المغرب الإسلامي”، الأمر الذي سيُؤدِّي إلى انتِشارهم في مُعظم دول شِمال إفريقيا ومِنطقة السّاحل الإفريقي.

اللّافت أنّ التنظيمين المذكورين يعيشان حاليًّا مرحلةَ إعادة رصّ الصّفوف، ويُهدِّدان بالعودة إلى شنّ هجمات ضِدّ أعدائهما، وزعزعة استِقرار دول الاتّحاد المغاربيّ، فقد أعلن المتحدّث باسم تنظيم “الدولة الإسلاميّة” أو “داعش”، أبو حمزة القرشي قبل أسبوع في تسجيلٍ مُدّته 37 دقيقة، أنّ زعيم التّنظيم الجديد إبراهيم الهاشمي القرشي قرّر بَدء مرحلة جديدة ألا وهِي “قِتال اليهود واسترداد ما سلبوه من المُسلمين”، بينما تعهّد تنظيم “القاعدة” بالثّأر لمقتل قاسم الريمي زعيمه في الجزيرة العربيّة في اليمن في هُجومٍ لطائرةٍ أمريكيّة مُسيّرة، الأمر الذي قد يُؤدِّي إلى اندِماج التّنظيمين أو التّنسيق بشَكلٍ أعمق بينهما، مِثلَما يُرجِّح الكثير من الخُبراء.

ليبيا، إذا استمرّت حالة عدم الاستِقرار الحاليّة فيها، فإنّها ستتحوّل إلى الحاضِنة الأدفَأ لمرحلة نُهوض “القاعدة” و”الدولة الإسلاميّة”، ففيها أكثر من 15 مِليون قطعة سِلاح على الأقل، وآلاف الأطنان من الذّخائر، وحواليّ 1.8 مِليون كيلومتر من الأراضي الشّاسعة وحواليّ ألفيّ كيلومتر من السّواحل شِبه الخالية على الشّاطئ الجنوبي للبحر المتوسّط، حيثُ يُمكن الوصول إلى السّاحل الأوروبيّ الشّماليّ المُقابل بسُهولةٍ.
***
هل كان الرئيس أردوغان يُفكّر بطريقةٍ مُباشرة أو غير مُباشرة بمِثل هذا السّيناريو عندما هدّد أوروبا بورقة المُهاجرين غير الشّرعيين، وعبر النّافذة الليبيّة وليس التركيّة؟

لا نملك الإجابة، ولكن ما نعرفه أنّ حواليّ 700 من المُقاتلين السّوريين تمكّنوا من التسلّل عبر البحر إلى أوروبا في الأشهُر القليلة الماضية، حسب تقارير إخباريّة، والرّقم في تَزايُدٍ الأمر الذي أدّى إلى زِيادة التوتّر في العُلاقات التركيّة الفرنسيّة تحديدًا.

الوضع الليبيّ الرّاهن كان وما زال مصدر قلقٍ مُزمنٍ لدول الاتّحاد المغاربي، وخاصّةً الجزائر وموريتانيا وتونس، ولكنّه قلقٌ قد يتزايد في الأيّام والأشهر المُقبلة، وهذا ما يُفسِّر تحوّل الجزائر إلى مَحجٍّ لمُعظم الأطراف المُتورِّطة في هذا الصّراع، حيثُ يُحاول الجميع ابتِداءً من تركيا ومُرورًا بالإمارات، وانتهاءً بفرنسا، كسب ودّ قِيادتها.. وما علينا إلا الانتظار.

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هُدوءٌ يَسبِق العاصفة في ليبيا هُدوءٌ يَسبِق العاصفة في ليبيا



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 العرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 18:25 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

مصر تؤكد على دعم سوريا وأهمية حماية المدنيين
 العرب اليوم - مصر تؤكد على دعم سوريا وأهمية حماية المدنيين

GMT 14:49 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق
 العرب اليوم - إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
 العرب اليوم - الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 08:36 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 10:02 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نقل عدوى لبنان إلى العراق

GMT 06:33 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ثلاث دوائر

GMT 08:28 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

منة شلبي توجّه رسالة شكر لجمهور السعودية بعد نجاح مسرحيتها

GMT 06:46 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

العلاقات التركية السورية تاريخ معقد

GMT 07:12 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 23:47 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا يعين الأميركية جيل إليس رئيس تنفيذى لكرة القدم

GMT 01:25 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

وفاة 143 شخصًا بمرض غامض في الكونغو خلال أسبوعين

GMT 10:21 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

"أرامكو" السعودية توقع اتفاقية مع شركتين لاستخلاص الكربون

GMT 17:28 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وحدات الجيش السوري تسقط عشرات الطائرات المسيرة في ريف حماة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab