لبنان كان وسيطاً بين أميركا ومصر عبد الناصر

لبنان كان وسيطاً بين أميركا ومصر عبد الناصر!

لبنان كان وسيطاً بين أميركا ومصر عبد الناصر!

 العرب اليوم -

لبنان كان وسيطاً بين أميركا ومصر عبد الناصر

بقلم : هدى الحسيني

في لبنان هناك انقسام عمودي تاريخي ومستمر بين فريقين: الأول يقول إن لبنان بلد ضعيف ومنقسم ولا قدرة له على المواجهة في قضايا المنطقة التي أثبتت التجارب أنها تؤدي إلى دمار الحجر والبشر الذين يهاجرون إلى أصقاع العالم لكسب الأرزاق. والآخر يقول إن لبنان جزء من المنطقة ولا يمكن فصله عن قضاياها، وإن الاعتداء على السيادة واستباحة الأرض وقتل الناس من أعداء متربصين يحصل بسبب ادِّعاء الضعف بينما مواجهة الأعداء بالسلاح والصواريخ هي ما يحمي الوطن ويردع الاعتداء.

لا يغفل أحد عن وجود اعتبارات لدى البعض في الفريقين لها أسبابها وجذورها الطائفية، ولكن لهذا بحث آخر في يوم آخر. إنما الأمر اللافت أنه في خضمِّ هذا الانقسام غاب عن الفريقين المعنى الحقيقي للحياد الذي هو بالتأكيد ليس ضعفاً بل مصدر قوة. فلبنان الحيادي يقوم على العلاقات المتينة مع مراكز القرار حول العالم التي تُبنى على الثقة والاحترام وثبات الكلمة وتفهُّم المصالح، ولبنان لا تنقصه الكفاءات التي تستطيع إنجاز المهمات بمساعدة نفوذ وقدرات مغتربيه الذين تفوقوا ووصلوا إلى أعلى المراكز أينما حلّوا، فيصبح لبنان مؤثراً في قرارات الدول وليس موضوعها، يصبح فاعلاً وليس مفعولاً به. هل هذا من الخيال أم جمهورية أفلاطون الفاضلة؟ بكل تأكيد ليس كذلك، وقد حصل يوماً، وهاكمُ الحكاية من أرشيف الخارجية الأميركية رواها سفير الولايات المتحدة لدى مصر ريموند هير في نهاية الخمسينات في عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذي كان يُلهب العالم العربي من خليجه إلى محيطه (مقابلة ريموند هير، مكتبة الكونغرس، صفحة 43).

يقول السفير هير إنه «كان يضيق ذرعاً من عدم الانفتاح الذي كان يُبديه عبد الناصر في لقاءاتهما، والذي كان يبقى في العموميات وبلا إجابة محددة عمَّا تستطيع الولايات المتحدة تقديمه من مساعدة لتوطيد العلاقات»، ويكمل أنه في أحد الأيام ذهب لزيارة وزير لبنان المفوض في مصر غالب الترك، الذي كان يعرفه حين كان سفيراً لأميركا لدى السعودية. يقول: «سأله الترك: كيف الحال؟ فروى له المصاعب التي يواجهها مع عبد الناصر، فقال له: أنا لديَّ علاقات قوية مع الرئاسة فهل تريدني التحدث في الأمر معهم؟ فردَّ السفير الأميركي بأنه لا يمانع». يقول هير: «وفي اليوم الثاني جاءه محمد حسنين هيكل الذي كان قريباً جداً من عبد الناصر وجلس على الكرسي قائلاً: سمعت أنك تتحدث إلى غالب الترك، هل تريد حقاً معرفة ما نريد؟ نحن نريد القمح». فكانت صفقة القمح الأميركي وشهر العسل في العلاقة بين البلدين، حسب وصف السفير هير.

موظف لبناني برتبة وزير مفوض لبلد صغير يوفِّق بين مصر جمال عبد الناصر ودولة عظمى اسمها الولايات المتحدة، وما كان هذا ليحصل لولا فضل موقع لبنان الذي بنى ركائزه بشارة الخوري وكميل شمعون وفؤاد شهاب، ومعهم رياض الصلح وحسين العويني، ومن ورائهم كبار أمثال شارل مالك وفيليب تقلا وسليم لحود. لبنان البلد الذي نأى بنفسه عن المحاور المتصارعة من دون أن ينكفئ عن قول الحق في الدفاع عن القضايا الإنسانية العادلة وأولاها القضية الفلسطينية، فاكتسب ثقة العالم واحترامه، ولقي أبواباً مفتوحة وآذاناً صاغية ووساطات ناجحة... يقول شارل مالك في ردِّه على سؤال على محطة «سي بي إس» الأميركية عام 1956: «إن تأثير دور لبنان ليس في منطقة الشرق الأدنى، بل في العالم؛ لتكوينه الفريد الذي يمكّنه من أن يكون حكماً ووسيطاً».

ومنذ تأسيس لبنان سعى كثيرون لإدخال البلد في صراعات المنطقة، مستغلِّين التكوين الطائفي الهش، فأقحموا البلد في مغامرات مدمرة، وفي كل مرة كان الفشل والهزيمة مصير المؤامرة والمتآمرين. كانت منظمة التحرير الفلسطينية مسيطرة على البلاد، مما أخرجها من دور الوسيط وحوَّلها إلى فريق مواجه، وأعلن يوماً ياسر عرفات بأنه حاكم لبنان الفعلي، لينتهي الأمر برحيله وقواته بالبواخر ويبقى لبنان. وكان الوجود السوري في لبنان، الذي حكم بالقمع والتنكيل والاغتيال، يعيِّن ويُقيل وينصّب الوزراء والرؤساء والقيادات الأمنية، وأصبح النظام المخابراتي السوري مرجعاً لبتِّ القرارات؛ كبيرةً كانت أم صغيرة، فتحوَّل لبنان إلى ساحة مباحة لحافظ الأسد؛ يفاوض من خلالها وبها يأمر وينهى ويساند القوى غير الشرعية الخاضعة له، ثم انتهى كل شيء بانسحاب مذلٍّ في عهد ابنه بشار بعد اغتيال رفيق الحريري الذي شكَّل بداية النهاية للحكم الأسدي السوري، وبقي لبنان.

وحل مكان السوريِّ الإيرانيُّ الذي عمل على تفكيك مؤسسات الدولة وعزل لبنان عن محيطه الإقليمي والدولي مستعملاً ذراعه «حزب الله» والتيار العوني، فتحوَّل لبنان إلى بلد فاشل فقير بائس، مصدِّر للإرهاب والمخدرات، وورقة بيد الإيراني يتغنى بامتلاكها لتحقيق المصالح في المفاوضات مع الأميركي، إلى أن تلقى ضربة كبيرة العام الماضي بهزيمة «حزب الله» وسقوط النظام السوري، فانتهى المشروع الإيراني، ومرة أخرى بقي لبنان... لماذا؟

لأنه بلد يريد البقاء والحياة، وتطمح أغلبية شعبه إلى العودة إلى الدور الذي نادى به وعمل من أجله شارل مالك وأمثاله، ليكون حكماً ووسيطاً حيادياً يحظى بثقة واحترام العالم بدل أن يكون منبوذاً منعزلاً متخاصماً مع أصحاب القرار الذين أوصدوا الأبواب في وجهه وفي وجه مَن يمثلونه، تماماً على عكس ما حصل مع وزير مفوض لبناني في أحد أيام لبنان الجميل.

arabstoday

GMT 07:33 2025 الخميس ,20 آذار/ مارس

لبنان… وشجاعة التّفرّغ للأسئلة الصّعبة!

GMT 07:26 2025 الخميس ,20 آذار/ مارس

حلّة قُشيبة

GMT 07:22 2025 الخميس ,20 آذار/ مارس

عبير الكتب: إبريز باريز

GMT 07:17 2025 الخميس ,20 آذار/ مارس

تحدي الأمن في السودان

GMT 07:11 2025 الخميس ,20 آذار/ مارس

أميركا - إيران: النموذج الليبي!

GMT 07:09 2025 الخميس ,20 آذار/ مارس

بلاد «بونت»... لغز تاريخي!

GMT 07:07 2025 الخميس ,20 آذار/ مارس

ترمب... ضربة لإيران من اليمن

GMT 07:04 2025 الخميس ,20 آذار/ مارس

ليّنة الصين أم مخادعة؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان كان وسيطاً بين أميركا ومصر عبد الناصر لبنان كان وسيطاً بين أميركا ومصر عبد الناصر



إطلالات هدى المفتي تجمع بين الأناقة العصرية والبساطة

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - حمادة هلال يكشف حقيقة وجود طلاسم في "المداح"

GMT 00:04 2025 الخميس ,20 آذار/ مارس

سيناريوهات رفع الدعم عن الوقود

GMT 02:26 2025 الخميس ,20 آذار/ مارس

فيروس «ميرس» يعود إلى السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab