الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لا يستطيع أن يغير جلده. بعد لقائه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في قمة العشرين، قال إن الأخير أكد له أنه لا عقوبات على تركيا إذا اشترت صواريخ «إس - 400» من روسيا، لكن لم يصدر أي تأكيد على ذلك من واشنطن، غير أن ترمب عبر عن تفهمه لكنه لم يستبعد فرض العقوبات رداً على ذلك. وتفيد التقارير بأن أشد العقوبات قيد النظر في واشنطن ستؤدي إلى شل الاقتصاد التركي وسوف تستهدف عقوبات أخرى شركات الدفاع التركية ومنعها من النظام المالي
أراد إردوغان الانتقام من خسارته لإسطنبول حيث أدت النتائج الجديدة إلى إعادة انتخاب محافظ إسطنبول وإلى إيقاظ الكتّاب والمعلقين السياسيين، وصفت إحدى الصحف هزيمة مرشح إردوغان بأنها «زلزال»، ووصفته أخرى بأنها «انتصار الشعب»، وقالت صحيفة «جمهورييت» الصحيفة الوحيدة المعارضة، إن حكم الرجل الواحد قد تم سحقه.
السؤال الآن يدور حول مستقبل تركيا؟ وهل هذه بداية النهاية لهيمنة إردوغان؟ يقول أحد أعضاء حكومة إردوغان: تحتاج تركيا إلى بداية جديدة.. لقد انتهى زمن إردوغان!
ثارت إسطنبول ضد «معبودها» السابق بحماسة شديدة. لكن عندما رأى إردوغان أن بن علي يلدريم الذي اختاره لمنصب «حكم إسطنبول» خسر بأكثر من 13 ألف صوت فقط لصالح أكرم إمام أوغلو من «حزب الشعب الجمهوري»، ادعى أن النتيجة مزورة.
إن استبدادية إردوغان دفعته إلى السيطرة المباشرة على معظم مؤسسات الدولة بما في ذلك المجلس الانتخابي الأعلى، فخضع أعضاؤه الذين تم تعيينهم في ظل حكومة إردوغان لمطالبه، وفي خطوة غير مسبوقة أبطلوا تصويت إسطنبول بداعي حدوث مخالفات. في المرة الثانية جاء إمام أوغلو بفارق 806 آلاف صوت وجعل المعارضة تنتزع السيطرة على إسطنبول من حزب إردوغان لأول مرة منذ 25 عاماً.
يعلم المستبدون أنه من السهل التلاعب بنتائج الانتخابات عندما يكون الفارق بسيطاً، ومن السهل أيضا تفكيك المؤسسات الديمقراطية عندما يدعمهم الشعب. الآن تغيرت الأوقات بالنسبة لإردوغان وللمعارضة.
كثرة الأخطاء التي ارتكبها إردوغان أظهرت انتصار المعارضة الساحق، وهذه المعادلة يمكن لـ«حزب الشعب الجمهوري» والأحزاب الأخرى تكرارها على المستوى الوطني.
بالنسبة للأتراك الذين كانوا يائسين من تجاهل إردوغان المتزايد للمعايير الديمقراطية، كان النصر نقطة أمل.
حتى صحيفة «صباح» المؤيدة لإردوغان كتبت: «الديمقراطية انتصرت». لقد أبطل إردوغان نتائج الانتخابات الأولى غير عابئ برأي الشعب، فأصبحت عملية إعادة الانتخابات بمثابة استفتاء على الديمقراطية فاستيقظ الذين قبلوا الانجراف الاستبدادي لإردوغان.
لكن المخاوف بشأن الاقتصاد الراكد والقضايا المعيشية كانت مهمة للغاية وبدأت بالفعل في تغيير المشهد السياسي.
مثله مثل الزعماء القوميين الآخرين في هذا الزمن الشعبوي، دفع إردوغان نفسه إلى السلطة وسط موجة من النمو الاقتصادي، هذا النمو يتراجع الآن، مع نضوب مصادر التمويل الخارجي ومع استحقاق الفواتير. فقدت الليرة التركية نحو ثلاثة أرباع قيمتها على مدى العقد الماضي مع أكثر من ثلثها العام لماضي وحده مما زاد من ارتفاع التضخم. وفي محاولة لمنع الانهيار الكامل لليرة رفع البنك المركزي أسعار الفائدة إلى 24 في المائة، مما وضع حداً للنشاط الاقتصادي، وأصبحت الحياة أكثر صعوبة، وأصبحت التوقعات قاتمة بالنسبة للشركات التي استفادت من سياسة إردوغان.
الآن، ومع سيطرة المعارضة على أكبر وأغنى مدينة فإنها ستكون تحت المراقبة حول الطريقة التي ستدير فيها ميزانية المدينة. لقد اتهم حزب إردوغان باستخدام ميزانية إسطنبول التي تقدر بمليارات الدولارات كشبكة رعاية، فتوفرت الأموال، لأسباب مشكوك فيها، لصالح عائلته وأصدقائه ومؤيديه، إنه نظام البذخ الذي تعهد إمام أوغلو بإنهائه. لكن إذا كانت السيطرة على إسطنبول تحصّن المعارضة، فإن إردوغان لا يزال لديه كثير من المزايا بعد كل شيء، فهو ليس رئيساً فقط، إنه أقوى زعيم تركي منذ قرن، وبعد هزيمة إسطنبول قال أمام تجمع لـ«حزب العدالة والتنمية»: ليس لدينا شرف تجاهل الرسالة. لكن ما هذه الرسالة وما معنى تجاهلها؟ قال إردوغان، إن الحزب «سيتخذ الخطوات اللازمة لتصحيح الخطأ الذي حدث. ونحن الذين سنقرر هذه التعريفات، وأضاف بغموض: لن نعتمد على تعريفات الآخرين. يعني هذا أن إردوغان سيقرر أين يكمن الفشل، وسيقرر وحده كيفية إصلاحه، لذلك على الذين يعتقدون أن خسارته لإسطنبول ستجعله يرى الأمور بشمولية وأقل التهاباً وأكثر احتراماً للديمقراطية، أن يخففوا من تفاؤلهم. فهو قد اعتبر انتصار الديمقراطية خطأ يجب تصحيحه. ولنتذكر ردة فعله لأول خسارة في شهر مارس (آذار) الماضي؛ ألغى الانتخابات وعندما أظهرت الاستطلاعات أن إمام أوغلو يتقدم لم يحاول تخفيف لهجته، بدلاً من ذلك أطلق حملة من الحيل المشبوهة. حاول إعلامه تصوير إمام أوغلو بأنه إرهابي، وتدعمه اليونان سراً، وزعم إردوغان نفسه أن مرشح «حزب الشعب الجمهوري» كانت له صلات بفتح الله غولن الذي تتهمه تركيا بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل عام 2016.
لا يزال إردوغان في السلطة يستمتع بقصره الفخم خارج أنقرة، لكن ستطول لياليه، إذ يبدو أن كثيراً من نوابه السابقين في حزب «العدالة والتنمية» مستعدون للتخلي عنه، ويقوم الرئيس السابق عبد الله غل ووزير المالية السابق علي باباجان بالعمل على تشكيل حزب منفصل، كما يخطط رئيس الوزراء السابق ووزير الخارجية أحمد داود أوغلو لحزب إصلاحي بديل لحزب «العدالة والتنمية» الذي يتزعمه إردوغان. وذكرت معلومات أن باباجان التقى إردوغان لإخباره شخصياً أن حزبه على وشك الانطلاق (في هذا الشهر)، وأنه سوف يستقيل من حزب «العدالة والتنمية». سيتم الترحيب بعودة باباجان إلى المشهد السياسي الوطني من قبل المستثمرين والأسواق الدولية بشكل عام. ومع ذلك فإن السؤال هو ما إذا كان يمكن لباباجان أن يشكل تهديداً كافياً للتغلب على إردوغان.
ما يحبط المعارضة هو أنه لا توجد انتخابات مقررة في تركيا حتى عام 2023؛ لذلك فإن لديه كثيراً من الوقت لاستعادة اليد العليا، لكن يمكن للمعارضة أيضاً استخدام السنوات الأربع المقبلة للاستفادة من قوتها المكتشفة حديثاً في إسطنبول وإظهار ما يمكنها فعله بمزيد من القوة السياسية.
يقول مصدر تركي: يخطط قادة المعارضة لإنشاء كتلة معارضة في البرلمان جنباً إلى جنب مع المنشقين عن حزب «العدالة والتنمية» بحيث يكون لديها العدد الكافي لتمرير قرار لإجراء استفتاء جديد على النظام الرئاسي، لأنه من غير المرجح أن يتمكن حزب جديد من تحقيق تأثير كبير على الأسواق المالية إذا استمر إردوغان بالصلاحيات نفسها. لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت المعارضة قادرة على أن تسلب من إردوغان الأغلبية، أو إذا كان الانقسام سيؤثر فيه. قد يؤدي هذا الغموض إلى زعزعة الأسواق، لا سيما إذا دفعت تهديدات سياسية جديدة إردوغان إلى شن هجوم جديد للقضاء على قوى المعارضة.
من السابق لأوانه شطب إردوغان، حتى لو أنه فقد توازنه. لكنه قال منذ عامين فقط: إذا فقدنا إسطنبول فسوف نخسر تركيا. لقد وجهت إليه مدينته الأم ضربة هي الأكثر قسوة في حياته السياسية، فهل تلحقها كل تركيا أم أنه يفكر كيف يقلب المعادلة عبر انتخابات جديدة؟