هدى الحسيني
منذ إعلان طالبان عن تشكيل قيادته الجديدة، كان الكل ينتظر ويتوقع أن يقدم أيمن الظواهري ولاءه وقد فعل ذلك. التسجيل الصوتي بث في 13 من الحالي، لكن التاريخ معه أشار إلى 1 من الشهر، مما يعني أن الظواهري سجل «ولاءه» بعد يومين فقط من تأكيد طالبان وفاة الملا عمر (30 من الشهر الماضي). استعان الظواهري بكلمة مسجلة بالصوت والصورة لأسامة بن لادن فيها يقول: «بيعتنا لأمير المؤمنين هي بيعة عظمى (...) من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية». ثم وصف الظواهري الملا محمد عمر مجاهد بالبطل الذي لم يرضخ «لأمم الكفر العالمية وواجهها بجنوده الأبرار». ثم قال: «إنه ذلك الأمير الذي تحدى عبدة الأوثان المشركين واقتدى بالخليل إبراهيم فحطم الأصنام» وهي إشارة إلى نسف طالبان لتمثالي بوذا التاريخيين. ثم بايع أمير طالبان الجديد «أمير المؤمنين» الملا أختر محمد منصور واعدًا بمواصلة طريق بن لادن، وأبو مصعب الزرقاوي (مؤسس «القاعدة» في العراق) وخليفته أبو حمزة المهاجر (أسس «داعش» في العراق) ومصطفى أبو اليزيد، وأبو الليث، وعطية الله وأبو يحيى الليبيون وسائر مشايخ «الجهاد» (بذلك يكشف الظواهري أن أغلبية قيادات «القاعدة» رحلوا عن هذه الدنيا).
في رسالته إلى الملا منصور انتقاد ضمني لـ«داعش»: «نبايعكم على إقامة الخلافة الإسلامية التي تقوم على اختيار المسلمين ورضاهم (...)». ويتهم تنظيم القاعدة أبو بكر البغدادي بأنه نصّب نفسه خليفة من دون موافقة قيادات «المنظمات الجهادية». لذلك مع عدم وصفه لزعيم طالبان الجديد بالخليفة، فإن الظواهري صّور الملا منصور كبديل للبغدادي، وهذا يتلاءم مع رسالة «القاعدة» التي يصر عليها منذ بدء الصراع بينه وبين «داعش».
أمران لافتان في رسالة الظواهري، الأمر الأول: الحكومة الأفغانية أعلنت أن الملا عمر توفي في أبريل (نيسان) عام 2013. إذا كان هذا صحيحًا فإن تنظيم القاعدة أكد في صيف عام 2014 بيعته لجثة. الظواهري تجنب الإشارة إلى هذه المسألة الحرجة، إنما أكد ولاء «القاعدة» لمنصور كموقف مبدئي.
الأمر الثاني: هناك جدال داخل طالبان حول قيادة منصور وخلافته الملا عمر، ومع هذا أيده الظواهري.
المعروف أن لـ«القاعدة» علاقات قوية مع قيادة طالبان لأسباب كثيرة، وأكثرها برغماتية أن «القاعدة» يعتمد على حسن نيات طالبان لاستضافته وإعطائه الحماية والمأوى، لذلك لم يرغب الظواهري التدخل في الصراع الداخلي – السياسي لطالبان، أراد أن يقول إنه يقف وراء القيادة وما تقرره.
لكن البعض تساءل عما إذا كان التنظيم يؤيد الملا منصور لأنه يميل إلى محادثات السلام مع الحكومة الأفغانية، وقد لا يكون هذا صحيحًا، فطالبان لم تكن إطلاقا حركة متماسكة، إذ كانت هناك خلافات داخلية ونوع من اللامركزية، لطالبان قيادة إنما داخل التركيبة السياسية هناك الكثير من التيارات، لذلك لن يغير تعيين الملا منصور في الأمور، أو في التركيبة.
الملا منصور لم يتأخر في قبول مبايعة الظواهري، وكذلك «الولاء من المنظمات الجهادية المنتشرة في العالم» كما جاء في بيان بعد يوم واحد من بث رسالة الظواهري. شكر الملا منصور «كل الإخوة المحترمين الذين تعاطفوا معنا في هذه المرحلة الحرجة للأمة الإسلامية». من الملاحظ أن طالبان و«القاعدة» و«داعش» تحاول اختصار الأمة الإسلامية بهم. مثلاً في رسالته بايع الظواهري طالبان لأن التنظيم يخالف الأمم المتحدة التي تخالف الشريعة وبايعه على تحرير «كل شبر من ديار المسلمين من كشغر (في الصين) حتى الأندلس (في إسبانيا)، ومن القوقاز حتى الصومال ووسط أفريقيا، ومن كشمير حتى القدس ومن الفلبين حتى كابل وبخارى وسمرقند (في أوزبكستان).
في رده على رسالة الظواهري يقول الملا منصور: «أشعر بإحساس الفخر وأنا أخاطبكم في الوقت الذي هُزم فيه تحالف الكفار بقيادة أميركا، وتستعد قواته لمغادرة أفغانستان خجلة وذليلة». ويضيف: «وبعد 14 سنة من جهادنا المقدس وصلنا إلى المراحل النهائية من النجاح، وتم ذلك تحت قيادة الملا عمر».
في شهر يونيو (حزيران) الماضي نشر الملا منصور بيانًا وصف فيه قيادات «القاعدة»، بأبطال «الجهاد» وبن لادن بزعيم «الجهاديين»، هذا قبل الإعلان عن وفاة الملا عمر وقبل تسلمه قيادة طالبان حيث كان ابن الملا عمر يطمح إلى هذه القيادة.
من المؤكد أن الظواهري ارتاح لتجاوب الملا منصور، لأن التنظيم كان طوال العام الماضي يكرر بث الولاء الدائم للملا عمر، لكن طالبان كان أقل وضوحًا في هذه العلاقة حتى أنه في 20 يوليو (تموز) من عام 2014 جدد «القاعدة» ولاءه للملا عمر، لكن طالبان لم يبث أي بيان منسوب إلى الملا عمر يعترف بهذا الولاء، ربما هذا يؤكد وفاة الملا عمر، وأن الصراع كان على أشده داخل التنظيم. لذلك، رغم عمق التحالف بين التنظيمين يبقى أن رد الملا منصور الفوري بمثابة إعلان جريء عن هذه العلاقة.
التنظيمان يجمعهما ويقلقهما وصول «داعش» إلى أفغانستان، وإن كانت أهداف كل منهما تختلف عن أهداف الآخر. في هذا الوقت ما زالت السيطرة الكبرى في أفغانستان لطالبان، ويبدو الظواهري تواقًا انطلاقًا من هذا المفهوم، لأن يحافظ ويكشف عن دعمه لطالبان كما كان يفعل، على أساس أن قوتين تواجهان قوة واحدة.
لكن بمفهوم الملا منصور، فهو كما قال في رسالته، إن الأميركيين سينسحبون مهزومين، لكن وجود «داعش» في أفغانستان يثير قلق القادة العسكريين الأميركيين هناك، وقد يؤثر على قرار الانسحاب الأميركي العام المقبل. إذ في نهاية هذا العام سيدرس كبير القادة الأميركيين في أفغانستان الجنرال جون كامبل خطط سحب 10 آلاف جندي أميركي. الأميركيون يعتبرون وجود «داعش» في أفغانستان حتى الآن وجودًا ناشئًا وليس قادرًا، إذ كما قال البريجيدير جنرال ويلسون شوفنر نائب رئيس الأركان للاتصالات العملية في أفغانستان: «نرى أن إمكانيات (داعش) تتزايد في أفغانستان لكن ليس إلى حد القيام بعمليات كما في العراق وسوريا».
حتى الآن كان قتال «داعش» مركزًا ضد طالبان، والصراع الأكثر حدة جرى في معقل طالبان في مقاطعة «نانغارهار» بالقرب من جلال آباد. يحاول «داعش» الحصول على نفوذ في أفغانستان وتجنيد مقاتلين، وليس واضحًا حتى الآن ما إذا كان مقاتلو «داعش» الأفغان على علاقات عملاتية، أو يتلقون أوامر من مقرات «داعش» في العراق أو سوريا. وكان المسؤولون الأفغان لاحظوا تدفق أموال إلى «داعش» أفغانستان إنما ليس بالمبالغ الملحوظة. وما لاحظه المسؤولون الأفغان ومعهم الضباط الأميركيون، أن بعض طالبان سموا أنفسهم «داعش»، ربما لمحاولة الحصول على دعم مالي، أو للفت الأنظار.
في أفغانستان تلتقي حكومة الرئيس محمد أشرف غني، والأميركيون هناك وطالبان في العداء لـ«داعش». وقد لا يكون الملا منصور ارتاح كثيرًا لطروحات الظواهري في تحرير هذه المساحات الشاسعة من «أراضي المسلمين»، وطالبان لم ينس أن عمليات «القاعدة» الإرهابية في 11 سبتمبر (أيلول) 2001 في نيويورك أطاحته من الحكم، لذلك، إذا جرت غربلة يبقى السؤال عن الخطر الذي يشكله «داعش» على «القاعدة».
بالنسبة إلى التأثير العالمي، فقد تجاوز «داعش» وقزّم «القاعدة». «داعش» الآن المنظمة الإسلامية المتطرفة الوحيدة الأكثر أهمية في العالم. وهذا بالطبع يقلق الظواهري، لأنه في وقت يستطيع «داعش» أن يحكي عن انتصاراته حتى ولو كانت مقززة وسوداء وشيطانية، ويحكي عن سيطرته، فإن «القاعدة» وطالبان في حالة هروب منذ أكثر من 14 سنة، ولو وصف الملا منصور تلك الحالة بـ«الجهاد». إذ لا توجد لطالبان دولة يمكنهم أن يتحدثوا عنها، في حين أن «داعش» يستطيع الحديث عن دولته الممتدة من الرقة في سوريا حتى الموصل والرمادي في العراق. يمكنه أن يتحدث عن جذبه لعشرات الآلاف من المسلمين في العالم، انضموا إليه أو يؤيدونه، وقد وصل به الدرك إلى جذبهم بمأسسة السبي والاغتصاب. والأهم بالنسبة إلى «داعش» أنه يقيم في قلب العالم العربي بينما «القاعدة» تتحرك في محيطه.
كل هذا يؤشر إلى مرحلة جديدة من سفك الدماء وقتل الإنسانية، فالأشرار قرروا استباحة كل شيء، فمتى يستفيق العالم؟