تركيا «اليوم الأسود» كشف عن مخاطر الخصخصة

تركيا: «اليوم الأسود» كشف عن مخاطر الخصخصة!

تركيا: «اليوم الأسود» كشف عن مخاطر الخصخصة!

 العرب اليوم -

تركيا «اليوم الأسود» كشف عن مخاطر الخصخصة

هدى الحسيني

 إن المسؤولية النهائية لعدم الاستجابة بشكل صحيح لهذا الحادث تقع عليّ شخصيا». هذا ما قالته رئيسة كوريا الجنوبية بارك غوين - هي، دامعة العينين، مكررة اعتذارها لغرق العبارة التي أودت بحياة 300 شخص في سيول، أغلبهم من الطلاب. ولاحقا أمرت بحل جهاز خفر السواحل وتسليم مهامه إلى جهاز بحري آخر.
في المقابل وفي تركيا حيث وقعت كارثة «منجم سوما» كان رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان يتوجه إلى مكان الحادث وكله ثقة بأن وصوله سيدعم مخططه ليوم 10 أغسطس (آب) موعد انتخابات رئاسة الجمهورية، هو يعرف أنه سيفوز لأنه لا بدائل أخرى، لكن ردة فعل الناس عند وصول سيارته، وضربهم على زجاج أبوابها، وركلها، لا بد أنها تشير إلى أنه حتى لو فاز لن يستمر في الحكم بهذه الطريقة وهذه العنجهية المريضة.
يوم الأحد الماضي وعلى موقع صحيفة «الصنداي تلغراف» عرض فيديو قصير يظهر فيه إردوغان وهو يوجه لكمات إلى شاب كان مذهولا من الكارثة، لكنه كان يقف في المكان الخطأ، فرئيس الوزراء أراد الهرب إلى أحد محلات البقالة، بعدما كان وجه اللكمات إلى فتاة صبية صرخت في وجهه قائلة: «ماذا يفعل قاتل أبي هنا؟». وعندما هرب الشاب من أمامه صرخ إردوغان: «إلى أين تهرب أيها الإسرائيلي الغاشم؟».
كارثة المنجم زادت من الأزمة السياسية التي طالت في تركيا. اعتاد إردوغان بعد مظاهرات ساحة «تقسيم»، وبعد فضيحة الفساد، اتهام كل دولة أو مقيم تركي في الخارج بأنه وراء هذه المؤامرة، واعتقد أنه نجح في إقناع نفسه وإقناع نصف تركيا تقريبا بنظرية المؤامرة عندما فاز حزبه في الانتخابات البلدية التي خطط وقاد هو حملتها. لكن من يتهم الآن بأنه وراء كارثة انفجار منجم سوما؟
اعتاد «حزب العدالة والتنمية» أن يفوز في الانتخابات انطلاقا من دمجه القيم الدينية بالنمو الاقتصادي السريع. القيم الدينية لإرضاء «القاعدة» الشعبية من البسطاء، والنمو الاقتصادي لإرضاء طبقة رجال الأعمال المقرب الحزب منها، والتي أوجد عددا كبيرا من أفرادها.
بعد حادثة تعرضه للشاب والفتاة، قال إردوغان: «ما حدث قد حدث، إنها مشيئة الله. إذا علت أصوات استهجان ضد رئيس الوزراء، فسوف توجه لكم الصفعات».
يوم السبت الماضي، تم دفن آخر الضحايا الـ301، إحدى الأمهات وقفت تودع ولديها التوأمين المسجيين في نعش واحد، ولطمت زوجة وجهها لأنها أقنعت زوجها من أجل أطفالهما الأربعة بأن يعمل في المنجم، ويوم موته كان يوم عمله الرابع في المنجم.
فقدت القرية أكثرية شبابها، أعمارهم تراوحت بين 20 و30 سنة. يوم حدوث الانفجار، خففت الحكومة كثيرا من عدد الضحايا، لا، بل انخفض العدد من ستة ضحايا إلى خمسة ثم إلى ثلاثة. اعتمدت على عدد الأحياء الذين أنقذوا، فاستنتجت أن عدد الضحايا قليل. لم تكن تعرف أنه لحظة الانفجار كانت هناك دفعتان من العمال في المنجم.
الناس لم يصدقوا، فأبناؤهم ما زالوا في القعر. في اليوم التالي وكما جرت العادة في الفترة الأخيرة في تركيا، انطلقت مواقع التواصل الاجتماعي وتغيرت الرسائل من كلمات عاطفية وتضامن إلى عناوين «اليوم الأسود»، والدعوة للنزول إلى الشوارع حيث كانت الشرطة بالانتظار، كما جرت العادة أيضا.
أكبر فريق كرة قدم في تركيا «غالاتساري» (غلطة سراي) المعروفة قمصانه باللونين الأصفر والأحمر قال: «اليوم ليس عن الأصفر أو عن الأحمر، اليوم كله عن الأسود».
إردوغان غير مستوعب حجم الكارثة، ولأنه اعتاد السير عكس التيار والفوز، رفض الاعتراف بالحادث ككارثة غير مقبولة، قال إن هذه الحوادث تقع ووقعت، وأعطى مثلا انفجار منجم في القرن التاسع عشر في إنجلترا، مما دفع بمنتقديه إلى تفسير هذا بأنه اعتراف من رئيس الوزراء بأن تركيا في ظل حكوماته متأخرة مائة عام.
وأمام هذه الأخطاء المتسرعة من رئيس الوزراء ارتأت الحكومة تعزية المفجوعين بإطلاق صفة «الشهداء» على الضحايا، وبالفعل تجاوب بعض البسطاء، وتأثروا بطروحات إردوغان وصاروا قدريين: «إذا كانت هذه مشيئة الله، فيجب أن نتقبلها».
قبل ثلاثة أسابيع من وقوع كارثة منجم سوما، قال نائب المنطقة أوزغور أوزيل في البرلمان: «تعبنا من الذهاب إلى مآتم عمال المنجم». ودعا إلى اتخاذ إجراءات تتعلق بشروط السلامة في المنجم. فرد عليه نائب من حزب «العدالة والتنمية»: «بإذن الله، إن شيئا لن يحدث في المنجم، ولا حتى نزف من الأنف». ورفض مجلس النواب مناقشة الموضوع. عمال المنجم كانوا يعرفون بمخاطر المنجم، لكنهم خافوا من عرض هذا على المديرين كي لا يفقدوا وظائفهم.
النقابات العمالية والمعارضة العلمانية التقت على اتهام التسرع في الخصخصة خلال السنوات الأخيرة بأنه السبب في إهمال سجل السلامة في كل البلاد. لتركيا سجل مشكوك فيه بالنسبة لعدد الحوادث في المناجم، مقابل استخراج الأطنان من الفحم الحجري. هناك زيادة في الطلب على الطاقة، والنمو الاقتصادي يتطلب تثبيت الاستقلالية في الحصول على الفحم المستخرج داخليا والمستورد من الخارج، ومن المتوقع أن تتضاعف حاجة البلاد إلى الطاقة في العقد المقبل، وكانت تركيا في السنوات الخمس الماضية زادت من اعتمادها على محطات الكهرباء العاملة على الفحم، منجم سوما انتقل إلى القطاع الخاص عام 2005، وقبل سنتين افتخر صاحبه ألب غوركان بقوله إنه نجح في تخفيض سعر طن الفحم من 130 أو 140 دولارا إلى ما تحت 24 دولارا، وذلك بفضل «الأساليب العملية للقطاع الخاص». اليوم الناجون من الكارثة وصفوا هذه الأساليب بالقاتلة لأنها اعتمدت تخفيض إجراءات السلامة.
قبل أربع سنوات أصدرت «غرفة مهندسي العمار ومصممي البناء» تقريرا عن الخطر المحدق بمنجم سوما، جاء فيه أن المستوى العالي لغاز «الميثان» يجعل المنجم غير قادر على تحمل أي خطأ، وسلط التقرير الضوء على عدم وجود نظام للإنذار عن تسلل الغازات الخطيرة، وعدم وجود منافذ للخروج، وانتقد نظام التهوية، ولفت إلى أن العمال لا يمكن إجلاؤهم على وجه السرعة وبشكل آمن.
منذ عام 2004 أسرعت الحكومة في عملية الخصخصة، ونقلت كل مناجم الفحم إلى مقاولين أو مقاولين فرعيين في القطاع الخاص، وأغلبهم يفتقدون الخبرة. كان من المفروض أن يكون هناك إشراف حكومي، لكن هذا أيضا، وعبر قانون، تم نقله إلى شركات خاصة لم يكن أحد يراقب ما إذا كانت تقوم بواجباتها أم لا.
في سوما فقط وقعت عدة حوادث طوال أشهر العام الماضي. وعند الحديث عن مجال الطاقة، من حيث توزيع شبكات الكهرباء أو منشآت الطاقة فكل شيء يقع تحت سيطرة الحكومة، وفي المناجم تعود السيطرة إلى رجل واحد هو رئيس الحكومة. وكانت وجهت نصائح إلى الحكومة بعدم نقل المناجم إلى رجال أعمال مقاولين أو مقاولين فرعيين لأن أغلبهم لا خبرة لديهم في عالم المناجم، بعضهم جاء من صناعة النسيج، والبعض الآخر من عالم البناء، مع العلم أن وضع المناجم في تركيا مختلف، فهناك نسبة عالية من المياه تحت الأرض الممزوجة بالفحم، ويحتاج إنتاجه بالتالي إلى إجراءات خاصة. وحسب الخبراء فإن أوضاع المناجم في تركيا أسوأ مما هي في الصين؛ إذ ما بين عامي 2000 و2009 وقعت 26 ألف حادثة في المناجم في تركيا أودت بحياة كثيرين.
الكارثتان السابقتان اللتان كان على تركيا استيعاب الدرس منهما، هما: الزلزال الذي وقع في «فان» شرق تركيا عام 2011 وراح ضحيته 604 أشخاص، وكشف الزلزال عن مشكلة سوء البناء، وكيف سمح للمستثمرين بأن يغشوا في المواد التي استعملوها.
وثاني أكبر كارثة وقعت عام 1999 في زلزال «أزمت» غرب تركيا وقتل 17 ألف شخص. بعد كل هذا يطرح في تركيا التساؤل: لماذا قوانين السلامة ضعيفة جدا؟ ومن يتحمل المسؤولية؟
قد تكون كارثة «منجم سوما» نقطة تحول، غضب الناس ليس فقط من الحكومة أو السياسة، هم غاضبون من أشياء لم يتكلموا عنها في البداية والإعلام لم يغطها: سجل السلامة وعدد الناس الذين يموتون في حوادث لها علاقة بالعمل. لتركيا، حسب الخبراء، أسوأ سجل بالنسبة إلى الحوادث المرتبطة بالعمل، وخلال السنوات الخمسين الماضية مات الآلاف من الناس بحوادث عمل، ولم تظهر نوايا جدية من قبل الحكومات المتعاقبة للتعاطي معها.
بعد كارثة سوما، صار الكل يطالب الحكومة بضرورة أن تفرق ما بين عدم حرصها على السلامة وبين «مشيئة الله».

arabstoday

GMT 06:27 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 06:25 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 06:24 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تعود الجائزة عربية بعد 6 سنوات؟

GMT 06:12 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 06:09 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 06:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 06:02 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 06:01 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تركيا «اليوم الأسود» كشف عن مخاطر الخصخصة تركيا «اليوم الأسود» كشف عن مخاطر الخصخصة



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 03:27 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة
 العرب اليوم - فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

GMT 20:15 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
 العرب اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 22:43 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
 العرب اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 03:43 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة ليلاء؟!

GMT 07:03 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 03:23 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول المكسرات يوميًا يخفض خطر الإصابة بالخرف

GMT 08:21 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى عيد الجهاد!

GMT 13:15 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 7 جنود إسرائيليين في تفجير مبنى مفخخ جنوب لبنان

GMT 12:42 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد تكالة يُنتخب رئيساً للمجلس الأعلى للدولة في ليبيا

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يدرس ضم أرنولد من ليفربول في يناير القادم

GMT 08:02 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الرياض... بيانٌ للناس

GMT 13:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

برشلونة يعلن إصابة أنسو فاتي وغيابه 4 أسابيع

GMT 11:44 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيتنام أيرلاينز" بصدد شراء 50 طائرة في النصف الأول من 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab