مريم والبغدادي السماء والأرض

مريم والبغدادي.. السماء والأرض

مريم والبغدادي.. السماء والأرض

 العرب اليوم -

مريم والبغدادي السماء والأرض

مأمون فندي

 يتصارع منطقتنا تياران أحدهما يجرنا إلى الخلف، والآخر يأخذنا إلى الأمام، تيار الحداثة وتيار التخلف.. أحدهما يرشدنا إلى بدائية الأرض والآخر سقفه السماء. وجاءت رمزية الرائد طيار الإماراتية مريم المنصوري، التي قصفت مواقع داعش بطائرتها الـ«F16» تجسيدا حيا لذلك الصراع الأزلي بين التقدم والتخلف، وبين الخير والشر. طارت الفتاة الإماراتية إلى السماء وبقي أبو بكر البغدادي وجماعته ضحية الأفكار الترابية في الأرض. كُتب الكثير عن مريم المنصوري في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت سياسية بحتة لا اجتماعية البتة. كُتب عنها قدح ومدح.. مدح من تيار الحداثة والتقدم، وقدح من الجماعات الترابية التي تتدثر برداء التخلف وتسميه زورا دينا، ربما دين هذه الجماعات بمعنى عقيدتها التي لا علاقة لها بالدين الإسلامي كما يعرفه جمهور المسلمين بكل طوائفهم ومذاهبهم.

مريم المنصوري لم تعد شخصا، بل أصبحت رمزية لفئة من العرب تريد أن تحلق في السماء في صراع مع فئة أخرى تشدنا إلى الأرض. مريم ليست قادمة من السويد، فهي فتاة إماراتية بنت القبيلة، وبنت الدولة الإماراتية المحافظة، وهنا تكمن معاني الرمزية، أي أن القبيلة والمحافظة التي قد يحلو للبعض أن يرميها بالرجعية، قادرة وقابلة للتطور والتكيف مع معطيات العصر، فالقبيلة ليست كلا لا يتجزأ، وليست كتلة صماء خالية من دينامكية الحياة، ففي القبيلة قيم تدفع إلى التقدم والتكيف، وفي حالة المرأة تؤمن لها الحماية اللازمة، فكون مريم فتاة قبلية جعل لها تلك الميزة التي تحميها من جور ذئاب التخلف.

دائما ما يلفت نظري عند زيارة الإمارات ذلك التوازن بين قيم الحداثة والأصالة، حيث ترى في دبي أو أبو ظبي عائلة إماراتية شابة تمشي على شاطئ الخليج بلباس تقليدي محتشم، ولا يضيرها أن من حولها من الأسر جاءت من ثقافات مختلفة، تلبس بطريقتها وحسب ثقافتها وقيمها، ولا صراع ثقافات هناك بقدر ما هو تعايش فيه اتزان وحكمة ورضا بالنفس وعلاقتها بالآخر، في ثقة حضارية يحسد الإماراتيون عليها. مريم المنصوري هي نتيجة لهذا التوازن الحضاري الذي توصلت إليه المعادلة الإماراتية متناهية الدقة.

دولة الإمارات اليوم بمجملها تشبه مريم المنصوري، أو أن مريم تشبه الإمارات، بمعنى أن الإمارات أصبحت رمزية لتوازن قيم الحداثة، وكذلك التحديث المستمر مع المحافظة على الأصالة التي تدفعنا للتقدم، لا الأصالة التي تجرنا إلى الخلف، فلا أصالة في التخلف والجمود، فالأصل هو الحركة والتكيف والتقدم لاستمرار الحياة بمجملها واستمرار الكيانات السياسية والدول.

لا فرق أن تسمع الشيخ عبد الله بن زايد في جلسة مجلس الأمن أو من على منصة الجمعية العامة طارحا تصور الإمارات لسياستها الخارجية، ورؤيتها لسبل إرساء الاستقرار في المنطقة، وبين مريم المنصوري، وبين مشروع الإمارات لاقتحام الفضاء أو تجارب التنمية والطاقة المتجددة في دولة نفطية، كلها مكونات رؤية متكاملة.

تدريجيا يمنح الإماراتيون بقية العرب واحة للحداثة، وبقعة ضوء في منطقة بدأت تنطلق فيها تيارات الظلام وأحيانا تسيطر.

في هذا الجو تقدم أبوظبي ومعها دبي واحات للإبداع البشري، حيث لم يعد شباب وشابات العرب يذهبون إلى الغرب لتحقيق أحلامهم، فكثير منهم ومنهن اليوم يرى في الإمارات تلك المساحة التي تحقق لهم أحلامهم، كذلك كثيرون ممن أعرفهم وعملوا في الغرب، ويريدون العودة إلى مكان يقدم لهم ولأولادهم تجربة أقرب إلى الحياة الغربية في سياق حضاري عربي، يسمح لأبنائهم بتعلم لغتهم العربية، ويمنحهم القيم الإسلامية المعتدلة نجد الإمارات هي مقصدهم.

المثير في التجربة الإماراتية التي تعتبر اليوم بوتقة تجارب لتعايش الأصالة مع قيم الحداثة، وفيها أيضا كل رمزيات الصراع الحضاري بين التحديث والتخلف ومعركتهما في صورتها المصغرة (ميكركوزم)، أنها تجربة لا تدعي الكمال، ولا تبالغ بطاووسية في أهمية ما تفعله، بل يعمل الإماراتيون في هدوء ويحققون نتائج دونما صخب.

أعتقد أن العرب جميعا لديهم أسهم حقيقة في التجربة الإماراتية ويجب أن يحافظوا على نجاحها، لأن في نجاح التجربة الإماراتية نجاحا عربيا عاما.

رمزية مريم المنصوري المحلقة في السماء كفتاة عربية هي ذاتها رمزية النموذج الإماراتي. نموذج يخطو بثقة دونما غرور إلى الإمام، ويواجه قوى التخلف بحزم. ما قامت به الإمارات تجاه تيار الإخوان المتطرف هو ذاته ما قامت به مريم ضد جماعة البغدادي و«داعش».

للأسف بيتنا الإمارات تواجه بوضوح تيار التخلف. لدينا دول عربية تجد رمزياتها في إيواء الجماعات المتطرفة بدعوى التنوع الثقافي، ومن استمع إلى كلمة قطر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يدرك الفارق بين قوة الدولة الخيرة، والدولة التي لا تأبى إلا أن تداعب الشر كنوع من المناكفة والنكاية بالمحيط الإقليمي.

طائرة مريم كانت واضحة في انطلاقها من الأرض وتحديد هدفها، فالطائرات المقاتلة تطير بهدف وتعود إلى هدف، لا مجال للعبث حيث يكون الخطأ قاتلا. الدقة المتناهية في الحسابات والتوازنات هي رمزيات مريم وطائرتها، وكذلك الإمارات كنموذج مغاير للنمو والتقدم في منطقتنا، ومن مصلحة العرب جميعا الحفاظ على هذا النموذج المضيء.

بين «داعش» ومريم فارق الأرض والسماء، وبين الخلافة التي يريد إقامتها البغدادي ونموذج الاتحاد الإماراتي كنموذج حكم أيضا كالفارق بين الثرى والثريا، وبين الأرض والسماء.

رمزيات مريم وطائرتها رمزيات مفتوحة للتفسير، وأعتقد أن كثيرا من شباب وشابات العرب سيتأملون التجربة ويرون فيها الكثير مما لم أشر إليه هنا في هذا المقال القصير، فالأساس في هذا المقال ليس ما قلته وإنما ما لم أقله، وتلك الآفاق المفتوحة لتأمل صراع التقدم والتخلف الذي هو في الأساس ليس صراعا إماراتيا بقدر ما هو صراع على روح الثقافة العربية ونوعية العروبة التي نريدها.

arabstoday

GMT 07:04 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

كبير الجلادين

GMT 06:59 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

التغيير في سورية... تغيير التوازن الإقليمي

GMT 06:56 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحاديث الأكلات والذكريات

GMT 06:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هذه الأقدام تقول الكثير من الأشياء

GMT 06:51 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هل مع الفيروس الجديد سيعود الإغلاق؟

GMT 06:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

سوريا... والهستيريا

GMT 06:46 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

لا يطمئن السوريّين إلّا... وطنيّتهم السوريّة

GMT 06:44 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هيثم المالح وإليسا... بلا حدود!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مريم والبغدادي السماء والأرض مريم والبغدادي السماء والأرض



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 16:16 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

ميمي جمال تكشف سبب منع ابنتها من التمثيل
 العرب اليوم - ميمي جمال تكشف سبب منع ابنتها من التمثيل

GMT 06:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الحكومة والأطباء

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 11:18 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

رسميًا توتنهام يمدد عقد قائده سون هيونج مين حتى عام 2026

GMT 13:28 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

5 قتلى جراء عاصفة ثلجية بالولايات المتحدة

GMT 19:53 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تعلن إسقاط معظم الطائرات الروسية في "هجوم الليل"

GMT 10:05 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

شركات الطيران الأجنبية ترفض العودة إلى أجواء إسرائيل

GMT 19:00 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تؤكد إطلاق عمليات هجومية جديدة في كورسك الروسية

GMT 10:12 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

انخفاض مبيعات هيونداي موتور السنوية بنسبة 8ر1% في عام 2024

GMT 11:11 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

إقلاع أول طائرة من مطار دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab