البطيخة العنصرية والمقاومة

البطيخة: العنصرية والمقاومة

البطيخة: العنصرية والمقاومة

 العرب اليوم -

البطيخة العنصرية والمقاومة

بقلم - مأمون فندي

تظهر شريحة البطيخة كرمزية مقاومة في الحراك الطلابي الأميركي، ويفسرها كثير من العرب على أنها ترمز إلى علم فلسطين بألوانه، الأخضر والأحمر والأسود، وهذا صحيح، ولكن هذا لا يفسر انتشار هذه الرمزية بسرعة وقبولها في المجتمع الأميركي؛ فلهذا تاريخ مختلف. فمصادفة التقاء التاريخ الأميركي، خصوصاً تاريخ الأميركيين من أصول أفريقية بألوان علم فلسطين في رمزية البطيخ يحتاج إلى تفسير أكثر عن البطيخة والاستقلال والمقاومة.

فمنذ الحرب الأهلية الأميركية وحركة تحرر الرقيق، والثقافة الشعبية الأميركية تصوِّر السود (رقيقاً كانوا أم أحراراً) على أنهم شعوب متخلفة غير قادرة على التحكم في شهواتها، وكانت رسوم الكاريكاتير تصورهم وهم يأكلون البطيخ بنهم، كرمز لانفلات الشهوات وعدم النظافة والتخلف. وانتشرت هذه الصورة النمطية في الأفلام فيما بعد.

ولما رأى السود أنه ليس بمقدورهم القضاء على هذه الصورة النمطية، قرروا احتضان هذا الرمز، وتحويله من رمز احتقار إلى رمز مقاومة؛ فتخصص السود في زراعة البطيخ وبيعه للبيض، واعتبروا أن زراعة البطيخ فيها رمزية لاستقلالهم الاقتصادي.

صورة الرجل الأسود أو الفتاة السوداء التي تأكل شريحة البطيخ، كرمزية لعدم النظافة والعنصرية، كانت تملأ الصحف، خصوصاً في الولايات الجنوبية.

تشويه صورة السود في الثقافة العامة هي التي جعلت الرجل الأبيض، خصوصاً في الجنوب، يرى الإنسان الأسود على أنه أقل من إنسان، وأقرب إلى الحيوانات، وكانت هذه الصور طاغية في الصحف و«البوست كاردس»؛ تصوير الرجل الأسود كحيوان بشري، وهذا أقرب إلى ما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي عن الفلسطينيين مؤخراً لينزع عنهم الإنسانية لتبرير قتلهم. هذا ما كان يحدث مع السود الأميركيين في الفترة من عام 1866 حتى ظهور الحركة المدنية 1960. كانت الصحافة البيضاء تصورهم كحيوانات غارقة في أكل البطيخ، وكان إخراج السود من إطار الإنسانية، في رمزية البطيخ، هو الذي ساعد في تعليق الرجل الأسود على الشجر، وضربه ضرباً مبرحاً في حفلة جماعية حتى الموت، فيما كان يُعرَف بظاهرة لينشنغ (lynching).

هذا التاريخ السيئ للبطيخة في الذاكرة الجمعية للسود والبيض معاً هو الذي جعل رمزية البطيخة، كألوان علم فلسطين، غير قابلة للمقاومة، وساعدها على الانتشار، فالسود تعاطفوا مع الرمزية، وأدركوا معانيها بسرعة كرمزية للظلم، كما أن البيض لم يستطيعوا التحدث عنها، لأنها تذكّرهم بماضيهم العنصري، فالحديث العلني عن البطيخة بالنسبة للسود يشبه معاداة السامية تجاه اليهود، ولذلك ترددت الصحف الكبرى والمحطات التلفزيونية في الحديث عن المقاومة عن طريق البطيخة، لأن ذلك سيضعهم في خانة العنصرية، وفي مواجهة السود بشكل مباشر. إذن مثَّل تاريخ السود فراملَ تكبح جماح البيض في أي محاولة للتقليل من شأن البطيخة كرمز للمقاومة.

أحياناً تكون هناك مصادفات تاريخية تجعل من رمز ما محصناً ضد التشويه، وذلك لتقاطعه مع تاريخ شعوب أخرى، وشريحة البطيخ التي تمثل ألوان العلم الفلسطيني التقت بتاريخ الأميركان السود، فحصَّنها ضد قدرات اللوبي الصهيوني الهائلة في الصحافة الأميركية والإعلام عموماً.

هذا لا ينفي قدرة الشباب الفلسطيني على العمل التنظيمي، وذكاءهم في اختيار الرمزية التي تضفرت مع تاريخ السود، لتجعل الرمزية تنتشر كانتشار النار في الهشيم، داخل المجتمع الأميركي عموماً، والمجتمع الطلابي خصوصاً.

شريحة البطيخ، كصورة ذهنية وعنصرية ضد السود في المخيلة الأميركية، واحتضان السود البطيخ كرمز لمقاومة العنصرية ضدهم ورمزية لاستقلالهم الاقتصادي، هي التي جعلت ألوان علم فلسطين تنتشر بهذه السرعة في المجتمع الأميركي، انتشاراً محصَّناً، لأن التقليل من أهمية هذه الرمزية أو التعرُّض لها، نوع من العنصرية ضد قطاع عريض ومؤثر من المجتمع الأميركي، وليس بمقدور أي جهة إعلامية أن تتحمل تكلفة ذلك.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البطيخة العنصرية والمقاومة البطيخة العنصرية والمقاومة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 العرب اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab