السودان كارثة سوء الفهم

السودان... كارثة سوء الفهم

السودان... كارثة سوء الفهم

 العرب اليوم -

السودان كارثة سوء الفهم

مأمون فندي
بقلم -مأمون فندي

المشكلة التي يعاني منها السودان اليوم هي غياب تصور شامل أو مؤقت للحل، وبناء ورسم ملامح هذا التصور أساسي للمرحلة الانتقالية، وربما عدم الرغبة في نظرة أعمق وأوسع لإعادة بناء الدولة في السودان بعد ما أصاب دولة ما بعد الاستعمار من تشوهات.

ولكن قبل الحديث عن تصور للحل لا بد من تنقية العدسات التي تشوه الصورة في المشهد السوداني. وأبدأ هنا من مصالح قوى الخارج قبل الداخل، ولا يكن عندك شك في أن أمر السودان اليوم مرهون بالخارج أكثر من الداخل، وكيف أن هذه العدسات تساهم في تعقيد الحل في السودان. فمثلاً إذا كان همك الأكبر هو جماعات الإسلام ودورها في الحكومة القادمة في السودان ومنع سيناريو الترابي والبشير من إعادة إنتاج نفسه، فلا بد أنك تقف مع محمد حمدان دقلو (حميدتي) ضد عبد الفتاح البرهان ومؤسسة الجيش المملوءة بـ«الإخوان».

وإذا لبست هذه النظارة، فإنك سترى حميدتي هو الحل، وتتغاضى عن كل عيوب الرجل وأصله وفصله، وتنسى أن حميدتي قائد «الجنجويد» الذي أحدث خراباً في دارفور نيابة عن حكومة البشير، وتنسى أن حميدتي هو الذي حارب البشير عام 2008 عندما لم يحصل على ما يريد من البشير، وتنسى أيضاً أن الرجل ذاته هو الذي قبل صفقة البشير عام 2013 لإعادته إلى الحظيرة مقابل المال وتعيينه جنرالاً لقيادة «الدعم السريع» التي تم ضمها كفرع رديف للجيش رغم اعتراضات رئيس الأركان وقيادة الجيش، وقد تتغاضى أيضاً عن أن هذه العملية كانت صفقة لشراء ميليشيا عائلية يقودها حميدتي.

وأقول عائلية هنا؛ لأنها ليست كالجيش الذي قد يطيح بالبرهان ويأتي برتبة أخرى بديلة لقيادة الجيش؛ ففي حالة حميدتي ابن قبيلة «الرزيقات» الذي قاد انقلاباً داخلها ليجعل السلطة في يد الفخذ التابع له، وهو «المهارة»، لن تخرج قيادة «الدعم السريع» منهم حتى لو مات حميدتي نفسه... تنسى كل هذا لأن حربك مع الإسلام السياسي، وأن تحول بينهم وبين السلطة في السودان، ومن أجل هذا تقبل رجلاً بديلاً مثل حميدتي فقط لأنك لا تحب فلاناً. وفي هذا من وجهة نظري تشوّه وتلوث للرؤية نتائجهما كارثية.

أما إذا كانت عدسات نظارتك تركز على الحفاظ على الجيش الوطني كعمود فقري للدولة السودانية، فلا بد أن ترى حميدتي و«الدعم السريع» كما يرى اللبنانيون «حزب الله» وسلاحه، ولا بد من نزع هذا السلاح من أجل استقرار الدولة، وهذا هو الموقف المصري وبعض دول الجوار حسب رؤيتي لما يدور، وهو موقف لا يرى مستقبلاً لدولة بجيشين ورأسين. إذا وضعت هذه النظارة وحاولت أن ترى من خلالها الشأن السوداني، فلا بد أن ترى أن البرهان هو الحل، وهذا المنظور سيوصلك إلى نتائج سيئة مبنية على معلومات ملوثة ومشوشة. وهنا لا بد أن تعرف أن النظارة التي تلبسها هنا أيضاً تؤكد مركزية الخرطوم ضد الخصومات الإقليمية من دارفور إلى جبال النوبة. وفي هذا كارثة لإعادة بناء الدولة في السودان، وتلك قصة يطول شرحها وتأخذنا بعيداً. ومع ذلك نبقى مع فكرة تشوّه الرؤية قبل أن ندلف في التحليل.

مهم هنا أن أذكر أن هناك نظارات أخرى جانبية تساهم في سوء الفهم، مثل أن حميدتي يمثل مظالم المنطقة الغربية ودارفور، أو أنه يمثل مصالح الأطراف مقابل المركز في الخرطوم الذي يمثله الجيش والبرهان. وهذه أيضاً قراءة خاطئة؛ لأنه كما ذكرت فإن حميدتي لا يمثل سلاطين دارفور أو «الفور» أو القيادات التقليدية في الغرب عموماً، والتي تمثل جبهة عبد الواحد نور بعض مصالحها، رغم أن نور ليس من السلاطين. نعم حميدتي له أفضال كبيرة في الغرب، مثل إنشاء مطارات كبرى ومدن، كما له الفضل الكبير في توطين أهالي الحدود، ولكن هذا التوطين هو الذي ظلم «الفور» وجعلهم ناقمين على حميدتي الذي سلم أراضيهم الخصبة للمستوطنين الجدد.

إذن، لا شرعية محلية لحميدتي في الغرب السوداني كما يتصور البعض. كما أنه بعد الكوارث التي أحدثتها قوة «الدعم السريع» في مدن كبرى مثل الخرطوم من سلب ونهب وتخريب، فرصيد حميدتي الآن هو غضب الناس لا دعمهم. مهم هنا أن نذكر أن آخر مرة في التاريخ تم فيها تدمير مدينة الخرطوم بالشكل الذي تقوم به قوات «الدعم السريع»، كانت عام 1885 حين اجتاحت ميليشيات الحركة المهدية المدينة ودمرت القوة المصرية الموجودة هناك تحت إمرة الجنرال غوردون. ربما سيبقى عدوان حميدتي على الخرطوم في الذاكرة التاريخية السودانية بنفس الطريقة، مع الفارق بين وطنية المهدي وانتهازية قوات «الدعم السريع».

إذن، بداية رسم التصور تكمن في التخلي عن هذه النظارات وضبابيتها، والنظر إلى المشهد بالعين المجردة كي ترى الهيكل العظمي للأزمة، ثم بعدها نبحث عن حلول مؤقتة أو طويلة الأجل. وللحديث بقية.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان كارثة سوء الفهم السودان كارثة سوء الفهم



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
 العرب اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 05:19 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

جنوب السودان يثبت سعر الفائدة عند 15%

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 09:06 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

القضية والمسألة

GMT 09:43 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

استعادة ثورة السوريين عام 1925

GMT 09:18 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الكتاتيب ودور الأزهر!

GMT 10:15 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لماذا ينضم الناس إلى الأحزاب؟

GMT 18:11 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النصر يعلن رسميا رحيل الإيفواي فوفانا إلى رين الفرنسي

GMT 18:23 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

حنبعل المجبري يتلقى أسوأ بطاقة حمراء في 2025

GMT 21:51 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

انفجار سيارة أمام فندق ترامب في لاس فيغاس

GMT 22:28 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

27 شهيدا في غزة ومياه الأمطار تغمر 1500 خيمة للنازحين

GMT 19:32 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صاعقة تضرب مبنى الكونغرس الأميركي ليلة رأس السنة

GMT 10:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صلاح 9 أم 10 من 10؟
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab