القوة الذكية للدولة

القوة الذكية للدولة

القوة الذكية للدولة

 العرب اليوم -

القوة الذكية للدولة

بقلم:مأمون فندي

القوة الذكية (smart power) هي المفهوم الذي طرحه المفكر السياسي الأميركي جوزيف ناي، كحلقة أخرى في فهم طبيعة القوة واستخدامها في العلاقات الدولية. والقوة الذكية للدولة هي باختصار تضافر القوة الخشنة مع القوة الناعمة أو عندما يكون هناك توافق بين القوة الناعمة والقوة الخشنة. وبسرعة شديدة القوة الخشنة هي قوة العتاد والمال (أسلحة ودولارات) ويأتي إقناعها للدول الأخرى بسياساتها من خلال الضغط المباشر واستخدام القوة أو التهديد بها، أما القوة الناعمة فهي القدرة على الإقناع بالنموذج، أو من خلال ثقافة الدولة، أما القوة الذكية فهي الجمع ما بين القدرات العسكرية التي تستطيع أن تغير سلوك الدول الأخرى بالقوة والقدرة على الإقناع أو استمالة الدول لتبني مواقف لأن فيها فائدة للطرفين. القدرة على هذا الدمج يجعلنا نصنف الدول ذات القوة الذكية في إطار التطابق بين القوتين الناعمة والخشنة على طرف (هو تصور خيالي حيث لا يوجد هذا التطابق التام في الواقع)، وعلى الطرف الآخر توجد دول بقوة خشنة، تصل درجة القوة الناعمة لديها للحد الأدنى أو أعلى درجات التنافر بين القوتين. وأقرب الدول إلى تطابق القوة الخشنة والناعمة معاً ليكون لديها أفضل ما يمكن من القوة الذكية هي الولايات المتحدة الأميركية (صواريخ وقنابل ذكية وكذلك من هوليوود إلى هارفارد ثقافة ذكية). أما نقيضها على الناحية الأخرى، فهي دولة مثل أفغانستان لديها قوة خشنة، ولكن نموذجها فاشل ولا يستطيع أن يجذب أحداً لتقليده أو تبنيه. وبقية الدول تقع فيما بين هذين النموذجين.

وأحياناً تفشل الدول العظمى ذات القدرات الذكية في لحظات تاريخية معينة أن توجد حالة التقارب بين القوة الناعمة والقوة الخشنة، فالولايات المتحدة مثلاً فشلت في عام 2003 فشلاً ذريعاً في استخدام القوة الناعمة. فشلت القوة الناعمة الأميركية في العالم الإسلامي، لأن القوة الخشنة التي استخدمت في العراق لم تدعمها قوة ناعمة، حيث لم تحصل أميركا على قرارات دولية تشرع الغزو الأميركي للعراق، وأصبحت صورة وزير خارجية أميركا الجنرال كولين باول وحديثه الكاذب أمام مجلس الأمن رمزاً لهذا الفشل... بعد دخول أميركا العراق خارج سياق القوة الناعمة المتمثلة في الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة تدنَّت صورة أميركا في العالم الإسلامي بشكل لافت جعل الأميركيين يعيدون التفكير في موقعهم في العالم بعد هذه الحرب. فمثلاً كانت صورة أميركا في إندونيسيا قبل غزو العراق إيجابية بنسبة 80 في المائة، وتدنَّت بعد الغزو إلى 20 في المائة، أي أنَّ صورة أميركا في استطلاعات الرأي تناقصت بنسبة ستين نقطة. ومن إندونيسيا إلى المغرب عانت صورة أميركا تراجعاً كبيراً في العالم الإسلامي. إذن حرب العراق كانت مثالاً للقدرات الغبية لا القدرة الذكية وطريقة استخدامها في العلاقات الدولية، إذ كانت القوة الخشنة تقف وحدها دونما أي سند من القوة الناعمة، رغم أن أميركا لديها مخزون كبير من القوة الناعمة وقدرة النموذج، ومع ذلك فشلت.
يتحدث الكثيرون في منطقتنا عن القوة الناعمة دونما فهم لعلاقات القوة الناعمة بالقوة الخشنة في لحظات بعينها. فالقوة الناعمة بمفردها لا تساوي الكثير وتصبح شيئاً أقرب إلى شراء العلاقات العامة للترويج للدول التي لا تحظى بمخزون ثقافي ليس إلا. فالقوة الناعمة هي تجلٍ للثقافة المحلية للدولية ولا تشترى أو تباع، إما هي موجودة أو غائبة. وإن لم تساندها قوة خشنة أيضاً تصبح عديمة الفائدة. أما موضوع التطابق بين القوتين، والذي يوصلنا إلى حالة القوة الذكية للدولة فيحتاج إلى تدقيق ودراسة متأنية.
الدول أيضاً يمكن أن تفقد قوتها الناعمة، وخير مثال لذلك حالة الاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية فدخول الجيش الأحمر إلى الرايستاج، الذي أدَّى إلى انتحار هتلر جعل من الشيوعية نموذجاً براقاً، ممَّا أدى إلى انتصارات متتالية لأحزاب اليسار في أوروبا، ومع ذلك وبالتدريج ومع انفضاح الديكتاتورية السوفياتية وممارساتها القمعية فقد النموذج بريقه، وتبدَّدت القوة الناعمة السوفياتية. إذن القوة الناعمة يمكن أن تنتهي وتموت عندما يفشل النموذج. القوة الناعمة تكون في أحسن حالاتها عندما تتطابق الصورة مع الأصل فلا يمكن لدولة أن تروج لصورة لا أصل لها.
فقط الأصل في صيغته الثقافية والحضارية هو الذي يمكن إضافته للقوة الخشنة كي نحصل على القوة الذكية. تهتم بعض الدول كثيراً بفكرة إصلاح الصورة، والصورة لا تصلح إلا إذا تم تصليح الأصل. تحسين الصورة للدولة في الفضاء الإعلامي العالمي هو مجرد علاقات عامه أو تسويق (marketing) ولكنه لا يدوم.
الفرق الكثيرة التي تنصح الكثير من قادة منطقتنا لا تعرف الفرق بين القوة الناعمة ووسائل استخدامها، وبين العلاقات العامة والترويج للدولة، وعلاقة كل هذا بالقوة الخشنة ومدى التوافق بينهما. فهل يمكن لبعض دول منطقتنا المفرغة من الثقافة أن تكون لها قوة ناعمة؟ الإجابة هي «لا» واضحة.
باختصار لا يمكن إنتاج القوة الذكية للدولة إلا في وجود مكوناتها الأصلية: قوة خشنة مادية من أسلحة ومال وعتاد، تضاف إليها قوة ناعمة متمثلة في الثقافة المحلية للدولة، وأخيراً قدرة الدولة على مزج القوتين معاً في أقرب حالات التطابق، وما عدا ذلك هو ضرب من ضروب الخيال.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القوة الذكية للدولة القوة الذكية للدولة



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 18:57 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه
 العرب اليوم - العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 13:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قطر ترحب بوقف النار في لبنان وتأمل باتفاق "مماثل" بشأن غزة

GMT 01:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يستهدف مناطق إسرائيلية قبل بدء سريان وقف إطلاق النار

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab