العالم العربي وموت الأفكار الكبرى

العالم العربي وموت الأفكار الكبرى

العالم العربي وموت الأفكار الكبرى

 العرب اليوم -

العالم العربي وموت الأفكار الكبرى

مأمون فندي
بقلم - مأمون فندي

لست متأكداً من صحة عنوان المقال على إطلاقه، ولكن يبدو أننا نقترب من نهاية الأفكار الكبرى الجامعة في العالم العربي.. أفكار على غرار القومية العربية أو الرؤية الإسلامية، أو حتى الأفكار الوطنية الملهمة باستثناء مقولات التنمية، ولا غرو. ولكن السؤال هو: لماذا انحسر إنتاج الأفكار الكبرى في جيل ما بعد القومية أو الإسلاموية؟ أو لماذا لم تخلّف الأفكار الكبرى القديمة أفكاراً حديثة، أم أنها حالة موت العقل العربي أو ضموره مجملاً؟
لا شك أن العالم العربي هو جزء من العالم الأكبر الذي انحسرت فيه المقولات الكبرى أو السرديات الكبرى (metanarratives) لصالح حالة التقطيع الفكري المتمثلة في رؤى ما بعد الحداثة، والتي شهدت أهم أمثلة عليها في انفجارٍ وتشظٍّ للهويات الكبرى لصالح هويات وطنية أصغر في البلقان، فرأينا تمزق يوغوسلافيا إلى صرب وكروات وبوسنة ورأينا تمزق تشيكوسلوفاكيا إلى تشيك وسلوفاك... إلى آخر قائمة التصدعات القومية التي بلغت ذروتها في حروب القبائل في أفريقيا (هوتسي وتوتو، وهاوسا ويوروبا وإيبو، وتيغراي وهويات أصغر في إثيوبيا وإريتريا والصومال والسودان)، ولكنّ حالة التشظي الأفريقية ليست حالة ما بعد حداثية بقدر ما هي حالة أقرب إلى ما تحدثت عنه جماعة «كليفورد جيرتنز» في علم الأنثروبولوجيا والمتمثلة في الحالة البرومارياليه أو صراعات الهويات البدائية (primordial).
العالم العربي ورغم صراعاته لم يتفكك إلى الهويات الأصغر إلا في حالة السودان (مسلمين عرباً مقابل أفارقة مسيحيين) أو في حالة العراق التي هي مزيج من الطائفية والإثنية (أكراداً وشيعة وسُنة)، أما الحالة اللبنانية فهي حالة خاصة إلى درجة ما.
ورغم هذا التفتت في العالم العربي لم نرَ إنتاج سرديات محلية تبحث عن هوية بديلة بشكلٍ متماسك مثلما رأينا في حالة يوغوسلافيا التي استطاعت المجموعات المختلفة فيها إنتاج سردية وطنية بديلة.
فهل نضبت الأفكار، حتى المحلية منها التي معها فقد الناس القدرة على إنتاج سرديات وطنية متماسكة؟ أياً كان البلد العربي الذي أنت فيه اليوم لا بد أن تسأل نفسك: ما الفكرة المتماسكة الجامعة التي تُلهب مشاعرنا؟ وهل هي قادرة على الاستمرار كأفكار قادرة على صناعة هويات وشرعيات بديلة؟
لا أدّعي أن لديّ إجابة حاسمة في هذا الأمر، ولكن ما يمكنني أن أدّعيه هو أن لدينا شذرات أفكار تبدو برّاقة ولكنها لا تصمد كثيراً أمام اختبار الزمن.
لا يستحي الفرد عندنا اليوم أن يقول إنني كتبت بوستاً حول هذا الموضوع أو كتبت تويتة، كأن البوست أو التويتة قد أصبحا بديلاً عن الأفكار التي تخبر بصرامة في حالة الكتب أو المقالات الأكاديمية الطويلة. سمعت أناساً حصلوا على درجة الدكتوراه وعندما تحدّث أحدهم عن فكرة يقول لك إنه كتب بوستاً على «فيسبوك» حول هذه الفكرة. لا أعرف أي ردة فعل يمكن أن يتبناها الإنسان ولو مفتعلة حتى يخفي امتعاضه من هذا الانحطاط الثقافي العام. كيف تقول للفرد إن البوست على «فيسبوك» لا يرقى إلى مستوى الأفكار دونما أن تخدش حياءه؟ وكيف تُقنع هؤلاء بألا يتصدوا لموضوع الكتابة، فالكتابة موضوع يحتاج إلى مخزون معرفي ينهل منه الكاتب وليست مجرد خواطر طارئة.
ظنّي أن موت الأفكار الكبرى على المستوى الإقليمي والوطني يعود إلى تسيّد فكرة المديوقراطية التي كتبت عنها هنا من قبل، أي عندما يتسيد المشهد الثقافي مَن ليست لديهم القدرة على التفريق بين الغثّ والسمين أو أفكار الدرجة الأولى (high culture) وثقافة الدرجة الثالثة أو الترسو، وما الحوار الدائر في مصر حول الأغنية إلا أحد تجليات سيطرة أفكار الترسو أو الدرجة الثالثة.
في تصوري أن هناك مجموعة عوامل أوصلتنا إلى حالة موت العقل العربي، على مستوياته المختلفة الكبرى والوطنية والأصغر، وأولها ثبوت البيئة التي تُنتج فيها الأفكار، والفاعلين المنوط بهم إنتاج الأفكار أو رعايتها، وانحياز الدولة إلى تافه الثقافة على حساب الثقافة العالية. وحتى تتغير هذه العناصر ومعها تتغير المحركات لن تكون لدينا أفكار ملهمة بل مجرد ومضات تختفي مع الوقت لغياب صرامة المعايير.
أمر آخر وأهم هو أن لدينا الآن مشروعات تتبنى التخلف وتحتضنه للدرجة التي معها يمكن القول إن بعض دولنا وبعض رجال الأعمال عندنا ينفقون على مشاريع التجهيل أكثر مما ينفقون على مشاريع التعليم.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العالم العربي وموت الأفكار الكبرى العالم العربي وموت الأفكار الكبرى



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab