موت الأفكار الكبيرة

موت الأفكار الكبيرة؟

موت الأفكار الكبيرة؟

 العرب اليوم -

موت الأفكار الكبيرة

بقلم : مأمون فندي

رغم أن الجميع يشهد أن عالمنا العربي في مفترق طرق ويواجه تحديات كبرى؛ ثقافية وحضارية ومن بعدهما اقتصادية وسياسية٬ فإن الأفكار الكبرى التي يمكن أن . استعاض العرب عن الأفكار الحية بالمقالات القصيرة في الصحف السيارة٬ وكذلك تصلح الأوضاع يبدو أنها غائبة٬ أو يمكن القول إن الأفكار الكبيرة قد ماتت تماماً التغريدات والكتابة على صفحات «فيسبوك»٬ أو شبه لهم.

وقبل الحديث عن موت الأفكار الكبرى التي أنتجها العرب في حقب مختلفة؛ آخرها كانت فكرة القومية العربية التي أ ّرخ لها بشكل سردي مدهش المرحوم ألبرت حوراني٬ المستشرق الإنجليزي من أصل لبناني في كتابه المشهور «الفكر العربي في العصر الليبرالي». تتبع حوراني الجذور الفكرية للقومية العربية بالتركيز على لبنان ومصر كبلدين أساسيين في تطوير هذا الفكر٬ ويعتبر الكتاب نوعاً من التأريخ الفكري٬ حيث تتبع حوراني حركة الأفكار عبر الزمان من العهد العثماني٬ مروراً بعصور الاستعمار والاستقلال حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي ذلك الكتاب عرض حوراني بإمتاع للأصول الثقافية للقومية العربية٬ الفكرة من المقال هنا ليست لكتاب ألبرت حوراني الذي يعد من الكلاسيكيات الآن٬ بقدر ما هي طرح للقارئ عن موت الأفكار الكبيرة في الفترة التي نحياها الآن أو فترة ما بعد الاستعمار. عرضاً وهنا أنا أفضل عبارة «ما بعد الاستعمار» على عبارة «ما بعد الاستقلال»٬ ذلك لأن أمر الاستقلال غامض في أحسن تقدير. النقطة التي أود إثارتها هي أن كل ما هو للمشكلات الآنية٬ شيء أقرب إلى عقلية السباك

معروض تقريباً لا يرتقي إلى مستوى الأفكار الكبرى٬ بقدر ما هو عنقود من الأفكار التكتيكية الصغيرة التي تتلمس حلاً منها عن واضع الخطة الاستراتيجية لخطوط المياه وبدائلها في عاصمة كبرى. ولكن المشكلة الحقيقية ليست في موت الأفكار الكبرى بقدر ما هي مشكلة مستهلكي الأفكار الصغيرة من نخبنا السياسية الحاكمة٬ الذين ينبهرون في الأغلب الأعم بالأفكار الصغيرة٬ ولكن متى ما صفقوا لها وتداولتها مجالسهم٬ شبه للعوام أنها أفكار كبرى أو لا تقل.

عندما نتحدث عن موت الأفكار٬ فنحن هنا نتحدث بصورة مجازية٬ وليس المطلوب الآن طرح أفكار جديدة للرد على دعوة هذا المقال٬ بقدر ما هي دعوة لقراءة متأنية في الأسباب التي أدت إلى حالة الاضمحلال والركود الفكري السائدة.

بداية٬ الأفكار اليوم ليست حكراً على منطقة جغرافية بعينها أو جنس معين من البشر٬ كأن تقول إن الأفكار ماتت في المنطقة العربية أو ماتت عند العرب٬ فهذا تبسيط فيه خلل كبير. لكنه يمكننا أن نتحدث عن حركة الأفكار وعن جغرافيا الأفكار في عالم تسود فيه وسائل التواصل والإعلام السريع. ومع ذلك٬ تبقى الأفكار النابعة عن الماضية على الأقل٬ لا تستحق كثيراً من الاهتمام لما فيها أولاً من تكرار فج لأفكار عالمية مطروحة٬ أو لكونها مجرد شذرات أفكار المنطقة العربية خلال العشرين عاماً لا تصمد أمام أي اختبار دقيق.

وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة خلقت محيطاً من أشباه الأفكار التي بدت للبعض كأنها أفكار خلاقة لمجرد تكرارها أو مشاركتها على برامج «واتساب» و«فيسبوك» و«تويتر». عندما يصبح الوهم حقيقة لمجرد تكراره أو أن تلوكه الألسنة في الفضاءات الإعلامية المختلفة٬ فتأكد أنك تعيش ضمن حضارة أصابها داء الانحطاط. كما أن واحدة من مشكلات وسائل التواصل الاجتماعي اليوم أنها أصبحت منتديات مغلقة لمن يتشاركون فيها. أي أن الانفتاح ليس صفة وسائل الاتصال الجديدة٬ بل الانغلاق هو الأساس٬ إذ يتحدث كل منا مع من يشبهه في الأفكار٬ وليس من يتنافر معه٬ ومن هنا أقول بالانغلاق لا الإطلاق.

المنحى الثوري الذي حدث عام ٬2011 كان من الإمكان أن ينتج أفكاراً كبرى حول تنظيم المجتمعات وقيمها الجديدة٬ ولكنه وبدخول القوى التقليدية عليه أصبح منحى انتقام حتى جاءت الثورات المضادة بانتقامها أيضاً٬ وخير مثال على الثورة المضادة وقدرتها على التخريب٬ هو ما قام به نظام علي عبد الله صالح في اليمن. النقطة هي . ثورة أفكار كبرى

أن ما عرف بالثورات أو الربيع كانت ثورات حركة على الأرض٬ وتبنت شظايا الأفكار على حساب الأفكار الكبيرة. الثورة تحدث في الرأس أولاً ملهمة كشعار الثورة الفرنسية الذي تلخص في المساواة والإخاء والحرية. وكان لكل هذه الأفكار من ينظرون لها من الفلاسفة. أما عندنا فكانت شعارات بلا أساس فلسفي. كانت ثورات في مجتمعات متخلفة.

أساس التخلف هذا كان نتيجة لغياب الأفكار الكبرى. المجتمعات التسلطية وبعقلية الزحام تجعل من أكثر الأمور تفاهة٬ كأنها أفكار كبرى٬ وهذا ما سماه الماركسيون تزييف الوعي أو الوعي الكاذب٬ الذي يصور للإنسان السراب كأنه الماء. عقلية الزحام تزور الأفكار وما حدث بعد عام 2011 كانت عقلية الزحام٬ ومع انتصار عقلية في مياه

الزحام مات الأمل في تنظيم مجتمعاتنا حول منظومة قيمية جديدة تلهمها أفكار كبرى عن علاقة الإنسان بالزمان٬ وحتى يحدث هذا٬ فستبقى منطقتنا تخوض دوماً . فأياً كان بريق التكنولوجيا الحديثة٬ فهي تحمل أفكاراً طينية وبحركة بطيئة نحو الحداثة والمستقبل. ولا يمكن لاستخدام التكنولوجيا كمظهر حداثي أن يخفي مخبراً متخلفاً قديمة أو أشباه أفكار.

إن لم يتعرض مجتمعنا العربي إلى مشروع نقد حضاري وثقافي ذاتي٬ فإن موت الأفكار الكبرى قد يؤدي بالمجتمعات إلى السكتة الدماغية الكاملة والمجتمعات والثقافات مثلها مثل البشر تموت.

المصدر : صحيفة الشرق الأوسط

arabstoday

GMT 00:04 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

هل ينقسم الحزب الديمقراطي؟

GMT 00:09 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

إعادة إعمار العقول والقلوب

GMT 00:09 2024 الإثنين ,27 أيار / مايو

ثلاثة أحداث فارقة ومستقبل الدولة الفلسطينية

GMT 00:01 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

البطيخة: العنصرية والمقاومة

GMT 00:51 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

الكويت: بين المشروع وإعادة النظر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

موت الأفكار الكبيرة موت الأفكار الكبيرة



ياسمين صبري أيقونة الموضة وأناقتها تجمع بين الجرأة والكلاسيكية

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 17:14 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

عاصفة ثلجية مفاجئة تضرب الولايات المتحدة

GMT 11:55 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

مصر والعرب في دافوس

GMT 11:49 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

ليل الشتاء

GMT 17:05 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي يوافق على انتقال كايل ووكر الى ميلان الإيطالى

GMT 17:07 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

كاف يحدد مكان وتوقيت إقامة قرعة كأس أمم إفريقيا 2025

GMT 03:19 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

القوات الإسرائيلية تجبر فلسطينيين على مغادرة جنين

GMT 17:06 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

بوروسيا دورتموند يعلن رسميًا إقالة نورى شاهين

GMT 17:04 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

شهيد و4 إصابات برصاص الاحتلال في رفح الفلسطينية

GMT 17:10 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حصيلة عدوان إسرائيل على غزة لـ47 ألفا و161 شهيداً

GMT 09:58 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

أنغام تثير الجدل بتصريحاتها عن "صوت مصر" والزواج والاكتئاب

GMT 09:48 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

منة شلبي تواصل نشاطها السينمائي أمام نجم جديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab