لماذا تستحق الاحتفال

لماذا تستحق الاحتفال؟

لماذا تستحق الاحتفال؟

 العرب اليوم -

لماذا تستحق الاحتفال

بقلم : مأمون فندي

هذا ليس مقالاً احتفالياً بالعيد الوطني للمملكة العربية السعودية بقدر ما هو فرز للرؤى التي فشلت في فهم الدولة السعودية الثالثة، والتي ولدت خارج رحم التجربة الاستعمارية التي شكلت في الغالب وعي معظم الدول المحيطة التي كانت تحت سيطرة الاستعمار بصورة أو بأخرى وأعلنت استقلالها بعد خروج المستعمر منها. المملكة العربية السعودية لم تكن مستعمرة إلا في إطار نفوذ تركي في الحجاز والمنطقة الشرقية، لذلك هي تجربة فريدة في تكوين الدولة الحديثة في الشرق الأوسط كله. الدولة السعودية الثالثة التي بدأ تكوينها الملك عبد العزيز آل سعود عندما جاء قادماً من الكويت ليدخل أرض أجداده في الدرعية ويفتح الرياض عام 1911 ليكتمل بناء الدولة عام 1932. عبد العزيز آل سعود من الشخصيات التاريخية، وهو يعد من بين القادة العظام أمثال بسمارك في التاريخ العالمي للقادة وتجربة بناء الدول. وربما حتى الآن لم ينصف الملك عبد العزيز بالقدر الذي يليق بتجربة مملكة بحجم ثلثي أوروبا الغربية.

في الأكاديميات الغربية كان هناك إصرار على تصوير عبد العزيز قائداً من بيئة بدوية اعتمدت تجربته في بناء الدولة على المعارك (كوستينر وآخرين)، هذا من اليمين أما اليسار (كما في كتابات أستاذ جامعة بنسلفانيا روبرت فيتاليس) فيعزو اكتمال الدولة السعودية ومؤسساتها إلى شركة «أرامكو» واستخراج النفط ومتطلباته، أي أن وزارات الخارجية والمالية وغيرها لم تكن لتوجد لولا الحاجة إلى التعامل الخارجي من خلال شركة «أرامكو»، أما الكتابات المشرقية لم تكن أقل عنصرية في فهمها للتجربة السعودية. هناك كانت أيضاً الكتابات المحلية الاحتجاجية التي تقلل من التجربة في محاولة لإعادة كتابة التاريخ (مضاوي الرشيد وآخرين)، أما أكثر الكتابات المحلية تميزاً فكانت رسالة للدكتور مشاري النعيم، التي تعاملت مع تجربة بناء الدولة من منظور بنيوي، من خلال قراءة جادة لتفاعل أنماط الإنتاج وعلاقة بالبادية بالحضر، ولكن هذا لم يكن عن الدولة الثالثة وحدها بل ركز على تحالف الديني والسياسي في الدولة السعودية الأولى والتي استخلص فيها النعيم أن حركة الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية كانت ردة فعل مدنية لازمة في عالم البداوة (an urban response to crisis). وكانت تلك رؤية جديدة التقطها باحث سعودي متميز آخر هو الدكتور رائد قرملي، والرسالتان يجب قراءتهما معاً لتكتمل الرؤية.

النقطة الأساسية هنا هي أن معظم الكتابات محلية كانت شرقية أو غربية، يمينية أو يسارية، تتعامل مع بناء دولة مثل المملكة العربية ولدت خارج رحم التجربة الكولونيالية بما يليق وكانت في معظمها تحاول الرد على الكتابات شبه الرسمية التي ترسم ملامح الملك عبد العزيز كقائد فريد من نوعه. كانت دائماً المكتبات الغربية تحاول التقليل من «أسطورة عبد العزيز «the AbdulAziz Myth، عبد العزيز هو حقيقة تاريخية فذة وليس أسطورة فهو قائد عربي من طراز فريد أدرك قيمته من عاصروه وكتبوا عنه مثل أمين الريحاني ويوسف ياسين وحافظ وهبة حتى عبد العزيز الرويشد من المتأخرين. وكان عبد العزيز آل سعود شخصية يعرفها كل محيطها، وخير دليل على ذلك استقبال المصريين له في أول زيارة للملكة المصرية امتدت 12 يوماً رداً على زيارة ملك مصر فاروق عام 1946. استقبلته القاهرة والإسكندرية وأنشاص استقبال الأبطال بحب وعفوية، ولَم يكن عبد العزيز ملكاً غنياً أيامها، وكتب عنه المصريون الكبار من الوفديين والسعديين والأحرار الدستوريين بما في ذلك العقاد ومحمود فهمي النقراشي ومحمد حسين هيكل وآخرون من ألوان الطيف السياسي المختلفة كلهم مجمعون على أننا أمام رجل من طراز فريد. تلك القامات المصرية العبقرية الحضرية رأت الملك عبد العزيز كمثال للقائد العربي الذي أحيا تراث قادة عظام في التاريخ الإسلامي. وما كانت تلك القامات تجامل مقابل ريالات بل كانت تصدع بالحق. وقال الملك عبد العزيز عبارة بليغة عن زيارته لمصر وحفاوة المصريين به: «لا يستطيع أحد أن يصل إلى ما في السماء، غير أن إخواننا المصريين الأعزاء عملوا لإكرامي كل شيء ممكن فوق الأرض».

في العيد الوطني للملكة المطلوب من جيل الباحثين من الشباب في المملكة وفِي العالم العربي إعادة قراءة تجربة بناء الدولة السعودية الثالثة كمشروع وحدوي عربي أصيل قام به الملك عبد العزيز وبنى دولة تشبه في أصالتها نخيل بلداننا ليست شتلة استعمارية غريبة أو مشروع هجين بين المحلي والاستعماري، إنه مشروع عربي نقي وأصيل يستحق الاحتفاء والاحتفال به.

أيضاً سياسات الملك عبد العزيز تحتاج إلى قراءة، فقد حسم المواجهة مع المتطرفين الذين كانوا يوماً ما من جيشه في معركة السبلة عام 1927 وقضى على ظاهرة إخوان نجد ومحاولتهم في صبغ الدولة الوليدة بصبغة التطرّف. جماعة أقرب من «داعش» الْيَوْمَ والتي يجيش لها العالم تحالفاً دولياً هزمها عبد العزيز في معركة واحدة.

كان عبد العزيز رجلاً حازماً وليناً في آن حسبما تمليه ظروف الحاجة. كان قائداً من نوع فريد لا يقل أهمية عن بسمارك في تاريخ العظماء كما ذكرت في مقدمة هذا المقال. قراءة سياسات عبد العزيز آل سعود الْيَوْمَ من منظور الإنسان الفخور بتاريخه وتاريخ أهله قد تلهمنا الكثير وقد تضيف إليها عقول شبابنا المثير إذا ما أعادوا قراءة التجربة من منظور نقدي.

تجربة بناء دولة عربية موحدة خارج رحم الاستعمار فريدة من نوعها في الإقليم تستحق كل هذا الاحتفال، لأنها تقول إن العرب قادرون على بناء مشروع خاص بهم من رحم ثقافتهم وتراثهم، لكل هذا يستحق العيد الوطني السعودي أن يكون عيداً وتستحق المملكة كل الاحتفال، وكل عام وكل سعودي بألف خير، وأدام الله المملكة دولة عربية أصيلة كما ولدت منذ بداياتها.

arabstoday

GMT 00:04 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

هل ينقسم الحزب الديمقراطي؟

GMT 00:09 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

إعادة إعمار العقول والقلوب

GMT 00:09 2024 الإثنين ,27 أيار / مايو

ثلاثة أحداث فارقة ومستقبل الدولة الفلسطينية

GMT 00:01 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

البطيخة: العنصرية والمقاومة

GMT 00:51 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

الكويت: بين المشروع وإعادة النظر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا تستحق الاحتفال لماذا تستحق الاحتفال



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
 العرب اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab