السعودية وهندسة تبريد المنطقة

السعودية وهندسة تبريد المنطقة

السعودية وهندسة تبريد المنطقة

 العرب اليوم -

السعودية وهندسة تبريد المنطقة

مأمون فندي

منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ومنطقة الشرق الأوسط على برميل من البارود. زيارة وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان بن عبد العزيز، إيران، الأسبوع الفائت، تعد خطوة جوهرية في تبريد منطقة الشرق الأوسط (deescalation)، وتضع الدور السعودي الإقليمي في إطاره الصحيح من زاويتين: الأولى هي استقلال القرار السعودي فيما يخص السياسة الخارجية الإقليمية. والأخرى هي صياغة إطار للأمن الإقليمي من منظور دول المنطقة المحورية يجعل «التبريد» وهندسته هو المفهوم الحاكم. أيضاً إذا أخذنا الحوار الأميركي - الروسي في الرياض، يتضح دور الرياض بوصفها مركزاً للدبلوماسية العالمية.

التحرك السياسي السعودي ليس وليد اللحظة، وإنما هو جزء من تفكير أشمل كما وصفته في الفقرة السابقة. كما أن زيارة وزير الدفاع السعودي ليست الزيارة الأولى لمسؤول سعودي رفيع المستوى لطهران، بل سبقتها انفراجة دبلوماسية بعد اتفاق الصين بين المملكة وإيران، ولكن العامل الفارق هنا هو أن هذه الزيارة تحدث وإيران في أضعف حالاتها إقليمياً. هنا الأهمية. فالمملكة بصفتها جارة لإيران لم تسهم في عزلتها في وقت الشدة، وهذه بادرة حسن نية، لابد أن الإيرانيين يقدِّرون أهميتها. ومع ذلك فالزيارة، يجب ألا تُقرأ من زاوية التقارب الثنائي فقط، فهي في جوهرها تحرك استراتيجي سعودي يعكس فهماً عميقاً لتحولات النظام الدولي. فالسعودية اليوم تعد من أهم الدول التي حافظت على استقرارها في إقليم تشتعل فيه الحرائق من لبنان إلى اليمن إلى ليبيا والسودان وسوريا، والسعودية اليوم تدرك أن بناء منظومة أمن إقليمي لا يمكن أن يقوم على الاستقطاب والصراع، بل على التعاون والمصالح المشتركة وكذلك طرح تصورها للأمن الإقليمي في الوقت الذي تتشدق فيه قوى صغيرة مثل إسرائيل بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.

التوجه السعودي يعكس تطور مقاربة المملكة للتحديات الأمنية الإقليمية من ناحية ربط استراتيجيتها الأمنية بتحالفات دولية متقلبة، فهي إن لم تطرح تصورها ستجد نفسها رهناً لتصورات الآخرين. وهذه الزيارة إشارة واضحة في هذا الاتجاه.

جوهر هذا التصور هو الحوار المباشر بين القوى المؤثرة في المنطقة: السعودية ومصر وتركيا وإيران. السعودية في هذا الإطار ليست فقط لاعباً محورياً، بل صارت تُمارس دور المُنظّم للحوار، ومهندساً لسياسة تبريد المنطقة ومركزاً للدبلوماسية.

هذه الزيارة هي جزء من التصور الأوسع لرؤية المملكة التي ترى علاقاتها مع دول الجوار أساسية للأمن الإقليمي بصيغته الأشمل. زيارة وزير الدفاع، الذي يمثل المؤسسة العسكرية، تضيف بعداً أمنياً مهماً للعلاقة مع دولة مثل إيران، وتنقلها خارج الإطار الدبلوماسي الذي اتُّفق عليه في الصين لصيغة أمنية أعمق وعملية. وبذلك ترسل المملكة إشارات بأن ما كان يُدار في الغرف الخلفية بات اليوم سياسة مُعلنة، تُبنى عليها تفاهمات عملية لها دلالات أبعد وأشمل.

تأتي هذه الزيارة في الوقت الذي يدور فيه حوار بين الولايات المتحدة وإيران في مسقط، وهذا يضع المملكة على أنها جزء من هذا الحوار وليست بعيدة عنه، فهي لاعب إقليمي مهم ومعنيٌّ بهذا الحوار ومحدداته ونتائجه إذا كانت هناك نتائج.

وختاماً، فإنه على ما يبدو أن السعودية لا تهدف فقط إلى تبريد ساحات التوتر التقليدية من اليمن إلى العراق أو لبنان أو سوريا أو ليبيا أو السودان، بل تحاول إعادة تعريف مفهوم الأمن الإقليمي الذي لا يكون التوازن الاستراتيجي العسكري وحده هو الحاكم فيه، بل أيضاً الثقة المتبادلة بين الأطراف فيما يخص مناطق النفوذ وحماية مصالح دول الإقليم من التدخلات الخارجية المباشرة، وهذا يمثل وعياً سياسياً عالياً، وقيادة تمتلك رؤية طويلة الأمد، وكلها عناصر لا تخطئها العين في فهم السياسة الخارجية للسعودية.

arabstoday

GMT 06:30 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

الأردن في مواجهة إوهام إيران والإخوان

GMT 06:26 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

«هزيمة» أم «تراجع»؟

GMT 06:24 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

رجل لا يتعب من القتل

GMT 06:20 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

عصر الترمبية

GMT 06:17 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

قراءة لمسار التفاوض بين واشنطن وطهران

GMT 05:42 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

حرب غزة... مأزق «حماس» وإسرائيل معاً

GMT 05:37 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

على رُقعة الشطرنج

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السعودية وهندسة تبريد المنطقة السعودية وهندسة تبريد المنطقة



تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 01:47 2025 الأحد ,20 إبريل / نيسان

صلاح دياب كاتبا

GMT 02:59 2025 الأحد ,20 إبريل / نيسان

الخاسر الأكبر من النزاع في السودان

GMT 12:16 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

ثلاثة مسارات تغيير في الشرق الأوسط

GMT 00:02 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

بعد 50 عامًا

GMT 06:25 2025 الأحد ,20 إبريل / نيسان

زيارة سعوديّة مفصليّة لطهران

GMT 19:28 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

فضل شاكر يطلق أغنيته الجديدة “أحلى رسمة”

GMT 07:25 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

مي كساب تستأنف تصوير "نون النسوة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab