مشهد واحتفالية طريق الكباش

مشهد واحتفالية طريق الكباش

مشهد واحتفالية طريق الكباش

 العرب اليوم -

مشهد واحتفالية طريق الكباش

بقلم - مأمون فندي

مثل غيري، أُخذت بمشهد افتتاح طريق الكباش الذي يربط بين معبد الكرنك شمالاً ومعبد الأقصر إلى الجنوب، المشهد الذي حضره الرئيس عبد الفتاح السيسي وحرمه، مما أعطاه بعداً وطنياً وثقافياً مهماً. ولكن المشهد بالنسبة لي كان شخصياً أكثر من كونه مشهداً وطنياً أو محاوله إرسال صورة إلى الخارج.
الأقصر بالنسبة لي مسقط رأس، ومكان مخطط من أعلى، وليس من تخطيط البشر. ولأن أهل الشمال، جاءوا إلينا من أجل الافتتاح، ضروري أن يعرفوا كيف ولماذا نذهب إليهم في أيامنا العادية، وليس فقط في مواسم الاحتفالات. أسرد هنا بعض الملاحظات الشخصية كي يحس القارئ بطعم المكان ورائحته وطبعه وطباع أهله، ويتسنى لي أن أقول جملة مفيدة حول مشهد الاحتفال.
عندما تذهب إلى الأقصر، لا بد أنك مدرك أنك في بلد سيدي أبو الحجاج، صاحب المقام الذي يقف على الجنوب الشرقي من معبد الأقصر، وكلاهما مقام في المكان ذاته بعلاقات مختلفة عبر الأزمان. يُقام لسيدي أبو الحجاج في قلب الأقصر، وفي قلب المعبد، احتفالٌ سنويٌّ (مولد سيدي أبو الحجاج)، بالضبط كمشهد الأوبيت القديم الذي شاهده السيد الرئيس في العرض. وفي هذا المولد رمزية هي صورة لعالم الصعيد كما خبرته جملة، ولأهل الأقصر خاصة؛ ثنائية الضريح والمعبد، شرق النيل وغربه، الدنيوي والمقدس... فقريتنا، وهي جزء مركزي في الحضارة الأقدم المعروفة بنقادة الأولى (5500 - 4800 قبل الميلاد)، تقع في غرب النيل، حيث عالم غروب الشمس (عالم الرقاد والموت)، بينما المدينة ذاتها (الأقصر) تقع في عالم شروق الشمس (عالم الحياة)؛ يفصل النيل بيننا، بين عالم الحياة وعالم الموت، عالم السكك الحديد والثورة الصناعية والحداثة وما فعله القطار بإسراع في الزمان وإحساس بانكماش في المكان. عالمي لم يكن شرق النيل وتباشير الحداثة، عالمي كان عالم الرقاد ومدافن الفراعنة في وداي الملوك، كان عالمي هو المجتمع الزراعي في غرب النيل، وهذا هو العالم الذي خبرته، حيث ترى الفلاح ممسكاً بمحراث تجره بقرتان، كما الصورة المرسومة على جدران المقبرة الفرعونية التي تبعد عن حقله عدة أمتار، لا تحتاج إلى أن تنظر إلى تمثالي ممنون بين حقول القرنة لتدرك مغزى ما أقول؛ كأن الزمن قد توقف من يومها، وتجمدنا في حالة كهفية، حالة جمود أهل الكهف.
كنا نحيا في غرب النيل حياة أقرب إلى السبات، فما زالت محاريث أرضنا تجرها عجول الجواميس والبقر، كما كان الحال في عصر الفراعنة، وما زلنا ندفن موتانا بطريقة أشبه إلى طريقة أجدادنا القدامى، نضع في أكفهم القطع الفضية لدفع أجرة المركب لعبور النيل، كما هو مرسوم على جدران المعابد والمقابر وصفاً لرحلة الروح عبر مراكب الشمس، وما زلنا ندفن الأجنة غير المكتملة في آنية من الفخار نضعها تحت عتبة الباب، ولا ندفنها في المدافن، ولنا في ذلك أسبابنا، وتطوف النساء الراغبات في الحمل أو في إنجاب الذكور بمقام سيدي أبو الحجاج تارة، أو بالمعبد تارة أخرى؛ يختلط الفرعوني معتقداً مع الإسلامي ممارسة، وربما هذا لا يخص مسلمي الأقصر فقط، لكنه ينطبق على مسيحييها أيضاً. الإسلامي عندنا مختلط بالفرعوني إلى درجة تدهش من تعلم منا وسافر بعيداً.
وهناك أيضاً تداخل على مستوى الزمان بين الفرعوني والإسلامي. فإلى يومنا هذا، ما زالت في الليلة الختامية لمولد سيدي أبو الحجاج (التي أعتقد أنها ستفاجئ المصري القادم من الشمال بالدرجة نفسها التي ستفاجئ السائح (الألماني أو الهولندي) تحمل المراكب الشراعية على سيارة نقل من معبد الكرنك في شمال الأقصر (معبد الإله آمون رع) إلى معبد الأقصر جنوباً، حيث ضريح أبو الحجاج؛ الطقوس ذاتها التي كانت تقام للإله آمون رع عندما كان كهنة المعبد يحملون المراكب عبر طريق الكباش متجهين جنوباً... وكانت تُسمى مراكب الشمس؛ أي المراكب التي تأخذك إلى الإله رع الذي يرمز إليه قرص الشمس. مراكب لعبور نهر النيل الفاصل الجغرافي والذهني المتخيل بين العالمين، عالم الحياة في الشرق حيث بزوغ الشمس وعالم الرقاد والمغيب في الغرب. وأنا من العالم الأخير، عالم الحالة الكهفية التي يكون فيها الخط بين الله والعبد كامل الاستقامة، لذا تزاور الشمس عنا ذات اليمين وذات الشمال، لا ضرر ولا ضرار.
حضر السيد الرئيس عرضاً لمشهد الأوبيت أو الزيارة من الشمال عند الكرنك إلى الجنوب عند معبد آمون أو معبد الأقصر، ومقام سيدي أبو الحجاج، فالمكان يتَّسع للجميع؛ للولي والضريح والمعبد، لاحتفالية الولي ولمشهد احتفالية افتتاح طريق الكباش.
ما لم يره الرئيس هو الأقصر وما حولها، وهو صورة أبعد كثيراً عن المشهد الاحتفالي الذي رآه. كنت في الأقصر قبل زيارة الرئيس إليها، ورأيت الناس وهم يعملون بهمة في إعادة رصف الطريق من المطار إلى معبد الأقصر، حيث كان مقرراً أن يمر موكب الرئيس. رسم القائمون على الأمر في الأقصر ملامح مسرح سيُقدم عليه العرض. ولكن مثله مثل المسارح المفتوحة، تجد بعد مساحة المسرح بأمتار بقايا الأخشاب والأسلاك الكهربائية التي تقع خارج كادر الكاميرا؛ كنت أتمنى أن يرى الرئيس ما هو خارج الكادر، فهذا يستحق كثيراً من اهتمامه؛ حياة أهل المدينة وعلاقتهم بمشهد كان القصد منه تصدير صورة عن الأقصر.
الأصل هو الموضوع، وليس الصورة، وأتمنى أن يتعرف السيد الرئيس، ومن يديرون الأمر من القاهرة، على الأصل، وليس لديّ شك في أنهم قد يوجهون بإصلاحه، فالمدن بشر قبل أن تكون آثاراً للعرض.
المشهد كان مهيباً، وكما هناك طريق يربط بين معبد الكرنك ومعبد الأقصر، لا بد من فتح طريق آخر رمزي بين القاهرة والأقصر من ناحية، وبين الزمان الفرعوني والزمان الحديث من ناحية أخرى. لا يكفي أن نبهر العالم بالصورة، بل يجب أن نبهر أنفسنا بالأصل أولاً.
وما زال الرجل الأقصري وامرأته يمسكان بالمحراث بين تمثالي ممنون، كأن الزمن لم يتحرك قيد أنملة؛ مشهد كنت أتمنى أن يراه السيد الرئيس، ليعرف أن غرب النيل كما تركته حتشبسوت إلى جوار معبدها، أرض عذراء لم تصلها الحداثة بعد، وما وصل منها كان تشويهاً.

arabstoday

GMT 03:41 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

ثلثا ميركل... ثلث ثاتشر

GMT 03:35 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

مجلس التعاون ودوره الاصلي

GMT 03:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

عندما لمسنا الشمس

GMT 03:18 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

رسالة إلى دولة الرئيس بري

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مشهد واحتفالية طريق الكباش مشهد واحتفالية طريق الكباش



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تعليق التدريس الحضوري في بيروت ومحيطها حتى نهاية العام
 العرب اليوم - تعليق التدريس الحضوري في بيروت ومحيطها حتى نهاية العام

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة

GMT 08:32 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab