أزمة العرب النفَس الطويل هو الحل

أزمة العرب: النفَس الطويل هو الحل

أزمة العرب: النفَس الطويل هو الحل

 العرب اليوم -

أزمة العرب النفَس الطويل هو الحل

مأمون فندي

الحرب في اليمن، وحرب في سوريا وأخرى في العراق وفي ليبيا، ردة الفعل السهلة هي أننا أمام كارثة عربية، لكنني في هذا المقال أدعو إلى طول النفَس، واستيعاب ما يحدث لعشرين سنة قادمة، شريطة أن نضبط الوضع للأجيال القادمة، ولا نترك لهم مخلفات حروب، بل نترك لهم أوطانا جديدة منظمة يمكن العيش فيها.
لكي نفهم ما هو حادث في منطقتنا، لا بد أن يكون لدينا نظرة مقارنة مع بقية العالم ولا نغرق في النرجسية.
ما هو حادث بعد ما سُمّي الربيع العربي، تلك الهزة الكبرى التي أدت إلى تصدع الدول والمجتمعات، لا يختلف كثيرا عمّا حدث للاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية بعد نهاية الحرب الباردة، إذ تتفكك المجتمعات بعد أن ينفلت زمام الأمر.
فالحرب الباردة كانت نظاما صارما لضبط النظام الدولي، ولكن متى ما ترهل ذاك النظام تداعى الاتحاد السوفياتي، إمبراطورية الشيوعية، وتقسّمت تشيكوسلوفاكيا إلى سلوفاكيا ودولة التشيك، وتشظّت يوغوسلافيا كالبلور إلى قطع متناثرة، ومع ذلك لم تخرب أوروبا، ولم يندب الروس حظهم.
كل ما فعلوه هو التعايش مع الواقع الجديد، وبنوا دولا جديدة لأبنائهم وأحفادهم من بعدهم تغير فيها النظام الاقتصادي من اشتراكي إلى اقتصاد رأسمالي، وتغير النظام السياسي ليتماشى مع العالم الجديد.
ما أود قوله هنا هو أن روسيا أوروبا الشرقية أدركتا أنهما كانتا أمام حالة تنظيف لمجتمعاتهما من مخلفات الحرب الباردة، ونحن لا نختلف كثيرا، إذ ما يحدث عندنا الآن، هو تنظيف لمخلفات الربيع العربي، لأنه الحدث الأكبر الذي ترك خلفه، ككل البيوت التي تنهار، ركاما في كل مكان.
السؤال اليوم بالنسبة إلى عالمنا العربي هو: هل لدينا الرغبة في إزالة ركام البيوت القديمة، التي تهدمت من مصر إلى العراق إلى ليبيا وتونس واليمن وسوريا؟ أم أننا سنبني عششا لا دولا، ويبقى الركام من حولنا؟
«عاصفة الحزم» والتدخل في اليمن محاولة للتنظيف من القوى الراغبة في العيش بين الركام القديم، والتي تريد تحويل اليمن إلى كانتونات وعشش لا معمار دولة يبقى. ومن هنا لا بد أن نعي أن مشروع تنظيف اليمن، مشروع طويل وليس قصيرا، وعلى اليمنيين قبل غيرهم أن يقوموا بعملية التنظيف أنفسهم، فالدول كالإنسان لا تلبس «حفاضا» طول الوقت، إذ بعد أن تبلغ الدولة نقطة ما في عمرها السياسي والحضاري والثقافي، لا بد أن تكون قادرة على تنظيف نفسها، والتخلص من نفاياتها السياسية والثقافية، بطريقة لا تضر بالبيئة العامة في الإقليم.
هذا ما فعله الروس ببلدهم، وما فعلته بولندا وألمانيا ودولة التشيك حتى صربيا. على الشعوب أن تتحمل نظافة بلدانها. نحن في المقابل غارقون في ذهنية اللطم والجنائزية، نتحدث عن مؤامرة أسقطت النظام العربي، وعملاء طابور خامس وسادس إلى آخر تلك الكربلائيات.
الحقيقة الناصعة التي لا تقبل الجدل، هي أن النظام العربي تصدّع، فماذا نحن فاعلون لبناء نظام جديد؟ أم أننا سنبقى طويلا نبكي على الأطلال؟
نترك الحروب قليلا ونقارن حالنا كعرب مع السود أو مع الهنود. لا أظن أن هناك مأساة إنسانية أكبر من أن يستعبد الإنسان أخاه الإنسان، ومع ذلك فالعبيد الذين أخذوا إلى أوروبا، وإلى العالم الجديد من أفريقيا مشدودين إلى الأغلال، لم يقبعوا في نقطة اللطم على الماضي، والبكاء على ما حدث لهم من قبل مستعبديهم من ضيم وعنف وإهانات لا حدود لها، بل أخذ بعضهم بأيدي بعض، وتجاوزوا ذلك الجرح النرجسي في النفس الأفريقية، سواء في أفريقيا أو خارجها.
حتى على مستوى الأشخاص كحالة الراحل نيلسون مانديلا، لم يغرق الرجل في عقلية الثأر، والمهاترات التي لا معنى لها، بل تجاوز الماضي ورمى به وراءه من أجل بناء جنوب أفريقيا جديدة.
الهنود أيضا استعمرهم البريطانيون لأكثر من تسعة عقود من الزمان، ورغم المأساة، لم يغرق الهنود في قصة ظلم الاستعمار كما يغرق بعضنا، بل نهضوا وتجاوزوا المحنة ليبنوا أكبر ديمقراطية في العالم.
النقطة الجوهرية هنا هي أن الربيع العربي وتبعاته، وإن شئت انهيار العراق في 2003، كلها كانت هزات كالزلازل لها تبعاتها التي تبقى لفترات طويلة، وأحيانا متباعدة، لكن الأهم في كل هذا أمران: الأمر الأول هو إزالة ركام البيت القديم الذي سقط من أجل بناء معمار جديد، والثاني هو أن التنظيف، ومن بعده البناء يحتاج إلى طول نفَس، فلا تستعجلوا حسم الأمر في اليمن، فما حسم اليمن إلا جزء بسيط من إعادة تأهيل المنطقة، وإزالة ركام حقبة وبناء حقبة عربية جديدة خالية من كل أنواع النفايات، وأولها النفايات الفكرية، التي نالت من كل شيء فينا.
لكل هذا يحتاج العرب المستعجلون إلى طول نفَس، ومقارنة ما يحدث لنا مع ما حدث لشعوب أخرى كبت ثم قامت من كبوتها، وفي هذا عبرة للعقلاء.

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمة العرب النفَس الطويل هو الحل أزمة العرب النفَس الطويل هو الحل



GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab