تداول الاستبداد

تداول الاستبداد

تداول الاستبداد

 العرب اليوم -

تداول الاستبداد

مأمون فندي

هل هناك من فكرة جامعة فيما يسمى الربيع العربي أو حتى شذرات أفكار متفرقة يعول عليها من أجل بناء إنسان جديد أو مجتمع جديد؟ أدعي أن الإجابة القصيرة هي النفي، إذ خلا الربيع العربي من أي فكرة ذات بال، أو حتى نصف فكرة تفتح كوة في الظلام الذي تعيشه منطقتنا العربية وثقافتنا العربية «ربما ننفق العمر كي نثقب ثغرة.. ليمر النور للأجيال مرة»، كما تصور أمل دنقل، لا نقر ولا كوة ولا ثغرة في الربيع حتى الآن تبشر بمرور نور. خلو الربيع العربي من فكرة جامعة ليس سببا، بل نتيجة لما قبل الربيع، إذ عاشت منطقتا العربية وثقافتنا، إلا ما ندر، من دون أي معايير لإنتاج الأفكار الأصلية والأصيلة، وماجت المنطقة في تكرار ممل لأفكار مسروقة أحيانا، أو قديمة أحيانا أخرى، وبتكرارها أضحت نسخة من الجحيم، ولم يكن هناك سؤال واحد كاسح أو كاشف يعكس انخراط العربي واشتباكه مع الحياة، إذ بدا العربي متفرجا على الحياة، مثله في ذلك مثل من يتفرجون على مباراة لكرة القدم في التلفزيون لا في مدرجات. شخص مفصول عن الفعل بأكثر من درجة أو درجتين، نوع من الحياة عبر الآخرين وتجاربهم، لا عبر الذات والانخراط في تحديات الحياة ومشكلاتها. بعض الشعارات التي طرحت مثل «عيش، حرية، عدالة اجتماعية»، لم تكن تحمل في طياتها فكرة واحدة واضحة، فالحرية في التراث العربي الإسلامي بجغرافيتها ودلالاتها في أحسن الأحوال «مغبشة» أو عليها من الضباب الكثير مما يجعل الرؤية من خلفها شبه منعدمة كزجاج سيارة عند الفجر. هناك فجر ولكن من دون رؤية واضحة، فليس بين الجماعات المتصارعة في الحكم أو المعارضة من كشف في أدبياته عن فكرة واضحة لمفهوم الحرية بما في ذلك الحرية الاجتماعية للأفراد، إذ ما زال الخطاب سجين عادات وتقاليد بعضها بدائي ملتزم برؤية المجتمع كمجموعات متلاصقة أو قبائل، أي أن الجماعة وليس الفرد هي اللبنة الأساسية للبناء الاجتماعي. فعندما حدث حادث واحد مثلما قامت به الفتاة المصرية علياء المهدي لم يكن هناك من يجرؤ على الحديث عن الحرية الشخصية للأفراد وظهرت ردود الفعل في معظمها تعكس قيم المجتمعات المحافظة اليمينية في معظمها. أعرف أن هذا مثال متطرف إلى حد ما، ولكن الهدف منه توضيح الفكرة في أننا جماعات وقبائل ولسنا أفرادا، مما تنتفي معه فكرة الحرية الفردية التي هي المنطلق الأول والأساسي في أي بناء ديمقراطي، إذ لا ديمقراطية بلا فرد حر؛ فرد وليس جماعة أو عائلة أو قبيلة. وحتى مسألة بديهية كالعيش، لم نر تصورا واحدا للحد الأدنى للأجور وحقوق العمال والضمان الاجتماعي من حيث إعانات البطالة، بحيث يكون لدى الفرد المسكن والمأكل والمشرب كحق اجتماعي كما نرى في بريطانيا ومعظم دول أوروبا الغربية. الأفكار حول العيش أيضا ناقصة ولم يُبن أي تحالف اجتماعي عريض للدفاع عن فكرة العيش بما في ذلك التيارات الإسلامية التي لا تكف عن الترديد ليل نهار بأن النظام الإسلامي المنشود للحكم هو الذي يضمن للإنسان حياة كريمة لا تضاهيها أي من أمم الأرض. أما الكرامة الإنسانية التي يمكن ترجمتها إلى الالتزام بمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومواثيق حقوق المرأة والطفل، كل هذه القيم ملتبسة عند العرب، فبلد مثل تونس بورقيبة ومن بعده بن علي كان يحافظ على بعض حقوق المرأة، أما آخر تقليعات تونس الثورة في إهانة المرأة فتتمثل في فتوى «جهاد النكاح» القائلة بأن تذهب الفتاة التونسية إلى سوريا لترفه عن المجاهدين هناك. القصة ليست سوريا أو حتى النكاح، ولكن القصة هي ضبابية المفاهيم، فما زال لدينا لبس في موضوع المرأة وحقوقها، وهنا لا أتحدث عن التيارات الظلامية فقط، فحتى من نسميهم الليبراليين في العالم العربي لديهم رؤى غير واضحة في مسألة حقوق المرأة، فبعض الليبراليين يؤمنون بقضايا اجتماعية بالنسبة للمرأة، ولكن قلة منهم من يؤمنون بالمساواة في الحقوق السياسية والاجتماعية، ولقد خبرت رجلا ليبراليا ممن يتصدون لكتابة الدساتير في دول ما بعد الربيع في النهار، ولكنه في الليل هو ذاته من يضرب زوجته. بالطبع ليس هذا الفرد هو التيار الليبرالي كله، ولكن شذوذ الليبراليين عن المفاهيم السليمة للكرامة الإنسانية ليس بعيدا عن غلو الإسلاميين في قهرهم للمرأة والرجل معا. القصد هنا ومع غياب أفكار واضحة تنير الطريق، هل للربيع العربي أو الثورات العربية مستقبل في ظل هذا اللبس و«الغلوشة» أو الضبابية تجاه اللبنات الأولى للمجتمعات الديمقراطية والمتمثلة في الحرية الفردية والالتزام بمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والحقوق الاجتماعية والاقتصادية للأفراد؟ ظني أن المسافة بين الليبرالي العربي والإسلامي فيما يخص الحرية الفردية ليست بعيدة، ولذلك قبل الثورات كان المثقف الماركسي من أمثال المصري عادل حسين يتحول إلى منظر إسلامي في لحظة دونما أي شعور بالتوتر، لأن اللغة واحدة والمفردات ذاتها تستخدم في المعسكرين الإسلامي والماركسي أو الليبرالي، الفوارق بين المعسكرين طفيفة، فكلاهما محافظ ويميني إذا ما قورن بمجتمعات أخرى. السبب في النجاح النسبي في ربيع أوروبا الشرقية هو أن كثيرا من القضايا الاجتماعية كانت محسومة في ظل الشيوعية، قضايا مثل حقوق المرأة والطفل والحرية الاجتماعية السلوكية، كلها لم تكن محل نقاش، فجاءت الثورات من أجل الحقوق السياسية المبنية على ركائز اجتماعية قائمة. أما حالنا في العالم العربي فهو محاولة لبناء معمار الحرية فوق أساس ديكتاتوري متين على الأقل فيما يخص حرية الفرد الاجتماعية. ليس هذا فحسب، وإنما الأفكار المطروحة عن الحرية هي أفكار ضبابية أو خجولة في أحسن حالاتها. ومن هنا كنا نحتاج إلى ربيع اجتماعي قبل أن يكون لدينا ربيع سياسي. نحن فقط نستبدل جماعات الاستبداد أو نتداولها، وعندما نقول: الزمان دول، فيبدو أننا نعني تداول الاستبداد. أي كل واحد منا «يركب شوية» والباقي ينتظر الدور من أجل ممارسة نسخته من القهر على الآخرين. الثورة التي لا تنتج حرية ليست ثورة. الثورة تبدأ في الرأس بمفاهيم واضحة عن الحرية والعدل والكرامة الإنسانية، وكلها مفاهيم ملتبسة في ثقافتنا قديمها وحديثها. نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"

arabstoday

GMT 06:29 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 06:26 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 06:22 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

نحن واللحظة الحاسمة

GMT 06:16 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... القول ما قالت «ندى» الجميلة!

GMT 06:14 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

المعادلة الصعبة في الشرق الأوسط

GMT 06:12 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

المعادلة الصعبة في الشرق الأوسط

GMT 06:09 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان.. وقرار أممى

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتخابات الأميركية واستحقاقات الحرب السرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تداول الاستبداد تداول الاستبداد



هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 01:27 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطالب بإنهاء الصراع الإسرائيلي اللبناني
 العرب اليوم - ترامب يطالب بإنهاء الصراع الإسرائيلي اللبناني

GMT 07:45 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يطلق صواريخ من لبنان ويصيب 19 شخصًا في وسط إسرائيل
 العرب اليوم - حزب الله يطلق صواريخ من لبنان ويصيب 19 شخصًا في وسط إسرائيل

GMT 10:43 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

ميس حمدان تتحدث عن تطور السينما السعودية
 العرب اليوم - ميس حمدان تتحدث عن تطور السينما السعودية

GMT 03:26 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

بلينكن يطلب من إسرائيل السماح باستئناف التلقيح لأطفال غزة

GMT 12:54 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان

GMT 17:43 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

كندة علوش تكشف عن طريقة خروجها من الكآبة

GMT 03:47 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش الاحتلال يعلن إسقاط طائرة مسيرة قادمة من لبنان

GMT 00:13 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرة مجهولة المصدر تسقط في الأراضي الأردنية

GMT 00:06 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

غارات إسرائيلية جديدة على النبطية في لبنان

GMT 02:21 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع حصيلة قتلى فيضانات إسبانيا إلى 158

GMT 03:40 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يتبرع بمليون يورو لضحايا إعصار دانا في إسبانيا

GMT 01:37 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5 درجات يضرب جزر الكوريل الجنوبية

GMT 03:30 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

ميسي يثير الغموض حول مشاركته في كأس العالم 2026

GMT 08:15 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عمرو دياب يكشف سبب حذف أغانيه

GMT 20:15 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

انتخاب محمود المشهداني رئيسا للبرلمان العراقي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab