على ماذا نتعارك النهضة أم عصر النهضة

على ماذا نتعارك: النهضة أم عصر النهضة؟

على ماذا نتعارك: النهضة أم عصر النهضة؟

 العرب اليوم -

على ماذا نتعارك النهضة أم عصر النهضة

مأمون فندي

الناظر إلى التاريخ البريطاني أو الأميركي أو الفرنسي أو حتى الروسي يرى بوضوح على ماذا يختلف أو يتعارك هؤلاء؟ وكيف أن نتيجة هذه المعارك أنتجت نظاما سياسيا جديدا؟ بعضها معارك على أمور شخصية تخص الملك وبعضها على طريقة الحكم ونظامه، ولكنها كانت معارك واضحة الملامح ومحددة على عكس معارك ثوراتنا العربية التي لا أدري حتى الآن على أي فكرة جوهرية نتعارك غير أننا نريد استبدال جماعة ظالمة تحكم بجماعة أخرى. يتغير الجلاد وتتغير أدواته وشرعيته لكن الجلد والتعذيب وأدواتهما هي ذاتها. إذا ما أخذنا المحطات التاريخية في تاريخ التطور السياسي البريطاني نجد أن كل محطة وكل نقلة كان لها بصمتها على طبيعة الدولة التي نراها الآن. فمن الجانب الشخصي مثلا لأحد ملوك بريطانيا وهو هنري الثامن نجد أنه انتقل بمجتمعه من سيطرة الكنيسة الكاثوليكية في روما إلى تكوين الكنيسة الإنجليكانية الخاصة بإنجلترا والتي تعتبر المرجعية الدينية للأرستقراطية الإنجليزية حتى الآن، وذلك لأن البابا رفض أن يطلقه من زوجته كاثرين أوف أورجان التي لم تمنحه وريثا ذكرا للعرش لكي يتزوج من غيرها. وبالفعل تغير المذهب وتزوج هنري الثامن من خمس زوجات بعدها. كانت أولهن آن بويلين التي أنجبت الملكة إليزابيث التي سمي عصر كامل باسمها (العصر الإليزابيثي) الذي ظهر فيه وليم شكسبير وغيره من رواد الآداب والفنون. وقتل الملك زوجته آن بولين فيما بعد لأنها كانت متهمة بإقامة علاقات خارج الزواج. القصة والتفاصيل طويلة، ولكن النقطة أنه كان هناك سبب معلوم لتغيير المذهب الديني في بريطانيا. قد لا يعرف الكثيرون أن المملكة البريطانية أصبحت جمهورية لمدة 11 عاما، وكان ذلك نتيجة للحرب بين الملك تشارلز الأول الذي كان يؤمن بالحق الإلهي للملك وفي عام 1640 طلب تمويلا للجيش من البرلمان، ورفض البرلمان وحاول القبض على بعض أعضائه ونشبت الحرب بين البرلمان والملك في عام 1642 واستطاع جيش البرلمان هزيمة الملك وأصبحت بريطانيا جمهورية بقيادة أوليفر كرومويل حتى 1658 بعدها دعا البرلمان تشارلز الثاني للعودة من هولندا ليصبح ملكا لإعادة الاستقرار ومن يومها حدود العلاقة بين البرلمان والملك قد رسمت. ليست النقطة هي سرد التاريخ الإنجليزي، ولكن على العكس من ثوراتنا كان الناس في الغرب وربما في الشرق يختلفون على قضايا واضحة المعالم. توازن السلطة بين الملك والبرلمان، أو رفض المستعمرات الإنجليزية في العالم الجديد في أميركا دفع الضرائب للملك الإنجليزي وقامت الثورة الأميركية لأنه لا يصح أن يدفع المستعمرون الضرائب للملك في بريطانيا وهم غير ممثلين في البرلمان. يومها ظهرت مقولة «لا ضرائب دون تمثيل». في حالة ثوراتنا لدينا المغتربون المصريون مثلا الذي يصل عددهم إلى أكثر من سبعة ملايين مغترب يدفعون الضرائب وينتخبون ولا يمثلون في البرلمان ومع ذلك لا يرون في ذلك مشكلة، هم فقط غارقون في معركة إخوان أو لا إخوان. هيصة من دون مضمون حتى عند الذين تعلموا في الخارج أو عاشوا خارج إطار الاستبداد. معركة أخرى في التاريخ البريطاني هي معركة من له حق التصويت هل من يملكون أراضي ذات قيمة أم حتى من لا يملكون؟ ثم حقوق المرأة السياسية.. كلها معارك واضحة. أما نحن ففي حالة ضبابية لا نعرف فيها لماذا نتعارك؟ ولماذا يقتل الشباب في الشوارع؟ وما القضية؟ على عكس من سياقنا الحالي الخالي من أي فكرة كبرى يعول عليها كانت التغيرات السياسية والاجتماعية في التاريخ الإنجليزي محكومة بسياقات وأنساق فكرية، وكذلك حروب تحدد الحدود الفاصلة بين الدول والشعوب. فمثلا في القرن الثامن عشر دخلت بريطانيا في عصر النهضة، طبعا ليست نهضة «الإخوان»، كانت نهضة أفكار آدم سميث في الاقتصاد، وديفيد هيوم في فلسفة العلوم، واكتشافات جيمس وات التي دفعت بالثورة الصناعية حيث انتقل المجتمع البريطاني من مجتمع زراعي سكانه في المزارع والقرى إلى عالم المدن الصناعية. الديمقراطية البريطانية كانت نتيجة طبيعية لترك الناس القرى وانخراطهم في عالم الصناعة ليصبح الفرد هو المواطن وهو اللبنة الأساسية للديمقراطية لا القبيلة ولا العشيرة، الفرد الحر المستقل البعيد عن المؤثرات الخارجية. لا أنكر أن ثوراتنا قامت في مجتمع حديث في بعض مدنه، ولكن الغالبية العظمى للمجتمع يمكن وصفها بالمجتمع ما قبل الحديث. الديمقراطية نتيجة حداثة ولا يمكن إنتاجها في مجتمعات بدائية ما قبل حداثية. طبعا كل هذا بني على تراث يقلل من سلطات الحاكم ولا يزيدها من الماجنا كارتا أو الوثيقة العظمى التي ضغطت بها طبقة النبلاء على الملك جون في 1215 للقبول بفكرة أنه «حتى الملك يخضع لسلطة القانون». وظهر البرلمان المكون من غرفتين (مجلس اللوردات ومجلس العموم) مع أنني أميل للصيغة الاسكوتلندية التي كان فيها ثلاث غرف (مجلس اللوردات ومجلس العموم ومجلس رجال الدين) وظني أن هذا ما يناسب أحوالنا في هذه الثورات ذات المسحة الدينية. ثم تلا هذا وثيقة الحقوق في عهد الملك المشترك لويليام وماري في 1689 والتي أنتجت الملكية الدستورية كنظام سياسي. حول كل هذا قامت حروب وتنافست أفكار لتصل ببريطانيا إلى ما هي عليه كنظام سياسي كتبت له الاستمرارية. أما عندنا فلا حروب ولا صراع أفكار. قامت حرب طويلة في لبنان ولم تغير النظام بل جعلته أكثر طائفية. ولا معركة أفكار كبرى هناك إذ يبدو حالنا كثور الساقية ندور وندور حول الشيء ذاته، الفارق بيننا وبين ثور الساقية هو أن جهد الثور ينتج ماء يرتوي منه الزرع ونحن ندور وننتج أفكارا أشبه بتدوير النفايات. ركزت في حديثي على معارك المجتمع البريطاني في العصور الوسطى لا الحديثة لأننا ببساطة نحيا العصور الوسطى دون أفكارها. أي أننا في العصور الوسطى، ولكن في الجهة المظلمة منها. كنت في التحرير في زحام الثورة في مصر وفي زخمها، وكنت أظن أننا نتعارك على أفكار وعلى شكل نظام، ولما تبين لي أن السوقة قد سيطروا على المشهد، وأن نتيجة الثورة هي التوك توك لا السيارة «المرسيدس» قررت الانسحاب. الانسحاب هو الحل لأننا لا نتعارك على شيء. وكما قال كيسنجر ذات مرة وهو يتحدث عن الصخب الأكاديمي في الجامعات، قال: «يعلو الصخب وتزداد حدة العراك عندما تكون الجائزة المتعارك عليها تافهة أو ليست ذات قيمة». صخب تلفزيوناتنا وضوؤها الأبيض اللامع يزداد كل يوم لأن الجائزة تافهة أو لأننا لا نعرف لماذا أو على ماذا نتعارك؟ نقلاً عن جريدة " الشرق الأوسط"

arabstoday

GMT 07:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 07:15 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ما بعد وقف إطلاق النار؟

GMT 07:12 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 06:52 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 06:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ليس نصراً ولا هزيمة إنما دروس للمستقبل

GMT 06:46 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

العلاقات التركية السورية تاريخ معقد

GMT 06:44 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على ماذا نتعارك النهضة أم عصر النهضة على ماذا نتعارك النهضة أم عصر النهضة



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
 العرب اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 05:57 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

المحنة السورية!

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:01 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

6 قتلى في قصف للدعم السريع على مخيم للنازحين في شمال دارفور

GMT 22:51 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شمال خان يونس "فوراً" قبل قصفه

GMT 20:03 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

القبض على موظف في الكونغرس يحمل حقيبة ذخائر وطلقات

GMT 20:27 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

دعوى قضائية على شركة أبل بسبب التجسس على الموظفين

GMT 22:06 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف واتساب في بعض هواتف آيفون القديمة بدايةً من مايو 2025

GMT 08:16 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أسطورة التنس الأسترالي فريزر عن 91 عاما

GMT 18:35 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

العراق ينفي عبور أي فصيل عسكري إلى سوريا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab