الرئيس الفلسطيني محمود عباس جمع بين الصراحة والحِدّة وقال عن إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتــحدة كل ما أقـــول أنا في هذه الزاوية، ولكن تجاوز صفة واحدة لحكومة إسرائيل، أريد أن أسجـــلها قـــبل أن أنسى هي أنها حكومة نازية جديدة، فأشد إهانة لمجرمي الحرب الإسرائيليين هي أن يُتّهموا بالنازية.
كانت لي جلسة طويلة معه بعد الخطاب، وقلت له أن ينسى الموضوع فلا سلام ممكناً مع بنيامين نتانياهو وحكومته الإرهابية. وجدت أن هذا رأيه أيضاً، إلا أنه لو انسحب الفلسطينيون من مفاوضات «السلام» غداً لقال الأميركيون والإسرائيليون إن السلام كان سيتحقق بعد غد.
أبو مازن ذكّر الدول الأعضاء بأنه حذر في الجمعية العامة سنة 2012 من الحرب الإسرائيلية التالية على الفلسطينيين. وقال إن الحرب التالية على قطاع غزة كانت حرب إبادة، وقائمة الشهداء، خصوصاً الأطفال، أطول، وأبيدَت أسر بكاملها ودُمِّرَت مدارس ومستشفيات ومبانٍ عامة ومساجد وكنائس ومصانع.
أؤيد قوله: باسم فلسطين وشعبها أؤكد هنا اليوم لن ننسى ولن نغفر، ولن نسمح بأن يفلت مجرمو الحرب من العقاب. وأؤكد أن الشعب الفلسطيني متمسك بحقه المشروع في الدفاع عن نفسه أمام آلة الحرب الإسرائيلية، ومتمسك بحقه المشروع في مقاومة الاحتلال العنصري الاستيطاني الإسرائيلي.
غاب الإسرائيليون عن حضور الجلسات ثلاثة أيام، وأعتقد أن سبب ذلك عيد لهم. ومقاعدهم كانت أمام وفد لبنان فارتحنا من رؤية قفا رقبة إرهابي أو أكثر أتمنى لو أصفعهم، فلا أحد منا «نتانياهو» يقتل الناس حتى الأطفال.
قلت للرئيس الفلسطيني بعد خطابه: وبَعدين؟ قال إن الدول العربية تعد مشروع قرار يؤكد على وجوب إنهاء الاحتلال الإسرائيلي خلال فترة زمنية محددة، وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس على كامل الأراضي التي احتُلت عام 1967، وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين على أساس القرار 194 مع جدول زمني للتنفيذ.
قال لي أبو مازن إن العـــلاقات مـــع مــــصر والرئيس عبدالفـــــتاح السيسي ممتازة، وهناك مؤتمر في القاهرة الشــهر المقبل بدعوة من مصر والنروج لاعادة إعمار قطاع غزة.
وزير خارجية النروج بورغ برينده جلس مع الرئيس الفلسطيني بعد الخطاب، وتبادل معه الرأي حول تنظيم المؤتمر. كان إيجابياً دائم البسمة حاول أن يقوي عزيمة أبو مازن وترك في نفوسنا جميعاً انطباعاً طيباً.
رئيس وزراء مالطا جوزف موسكات سبق الوزير النروجي إلى الاجتماع مع الرئيس الفلسطيني بعد خطابه. وجلسنا حولهما نستمع، وأبدى رئيس الوزراء تأييده الفلسطينيين وتعاطفه مع قضيتهم، وطلبت منه وهو يتركنا استمرار العناية بأختنا سهى الطويل عرفات، أرملة أبو عمّار التي تقيم عندهم مع ابنتها زهوة.
سألت أبو مازن عن المستقبل مرة أخرى. قال نريد تحديد وقت لانسحاب قوات الاحتلال، سنتين أو ثلاثاً. أيضاً وقف النشاطات الاستيطانية وتسوية عادلة لموضوع اللاجئين، وحماية للشعب الفلسطيني من آلة القتل الإسرائيلية، أو عمليات الإبادة، وهو مع هذا كله يطالب دول العالم بعدم مساعدة الاحتلال على الإفلات بجريمته من دون محاسبة.
أبو مازن أكد لي أن موضوع إعطاء الفلسطينيين 1.600 كيلومتر مربع في سيناء لا علاقة له إطلاقاً بالرئيس السيسي، وإنما يعود إلى محمد مرسي والإخوان المسلمين، وقد رفضه الفلسطينيون في حينه ورأي أبو مازن في رفضه: أبداً، أبداً، أبداً.
أبو مازن صديق قديم عرفته على امتداد أربعة عقود أو نحوها. وكنت إذا «أضعته» أسأل صديقنا المشترك باسل عقل أن يبحث لي عنه لأسأله عن الأخبار وموقفه منها. أقول، على أساس ما أعرف عنه بشكل شخصي مباشر، إنه عنيد، ومن أعنَد الناس، ولن يتنازل عن أي حق للفلسطينيين، وإذا كان الإسرائيليون، وتحديداً النازيون الجدد مثل نتانياهو، يعتقدون أنهم سيضحكون عليه فهم واهمون لأنه صلب وطالب حق.