وقعت على قصائد هي اليوم أصدق منها يوم قيلت، وبما أنني أنكد على القارئ صباحه بكل تعليق سياسي، فانني أختار اليوم أن يكون التعليق شعراً جميلاً مؤلماً، وكلنا يحب الشعر.
هناك قصة غير مؤكدة سبباً وشعراً هي أنه عندما أسقط صدّام حسين الجنسية العراقية عن الشاعر محمد مهدي الجواهري قال له:
يا غادراً إن رمت تسألني أجيبك مَنْ أنا
فأنا العربي سيف عزمه لا ما انثنى
وأنا الاباء وأنا العراق وسهله والمنحنى
لولاك يا ابن الخَيْس ما حلّ الخراب بأرضنا
لولاك ما ذبحوا الوليد من الوريد بروضنا
لولاك ما عبث الطغاة بأرضنا وبعرضنا
أعرفتَ يا ابن الطينة السوداء يا ابن الشيّنا
مَنْ العراقي فينا أنتَ أم أنا
لا أملك إلا الاختصار، والشاعر معروف الرصافي رثى العراق في أوائل القرن العشرين وتوقع مصيراً أسود، وأجد شعره أصدق وهو يحكي مصيبة أهل العراق اليوم. هو قال:
أنا بالحكومة والسياسة جاهل / عما يدور من المكائد غافل
لكنني هيهات أفقه كوننا / شعب يتامى جُلّه وأرامل
في كل يوم فتنة ودسيسة / حرب يفجرها زعيم قاتل
هذا العراق سفينة مسروقة / حاقت براكين بها وزلازل
وسحقاً لكم يا من عمائمكم كما / بزّاتكم شكل بليد عاطل
سحقاً كفى حزبية ممقوتة / راحت تمايز دينها وتفاضل
لا لم تعد نجف تفاخر باسمكم / لا كوفة لا كربلا لا بابل
أنتم كأندلس الطوائف اجهضت / والموت اما عاجل أو آجل
هجرت عباقرة مساقط رأسها / وخلافها لم يبق إلا الجاهل
لا تبك قافلة تموت فقبلها / ازدحمت على درب الفداء قوافل
ما أعظم الوطن الفخور بحتفه / متشائم بحياته وبموته متفائل.
المواطن العربي اليوم يقول ما قال محمود درويش يوماً:
سجِّل أنا عربي
ورقم بطاقتي خمسون ألف
وأطفالي ثمانية وتاسعهم سيأتي بعد صيف
فهل تغضب؟
سجِّل أنا عربي
ولا أتوسّل الصدقات من بابك
ولا أصغر أمام بلاط أعتابك
جذوري قبل ميلاد الزمان رست
وقبل تفتح الحقب
وقبل السرو والزيتون
وقبل ترعرع العشب
أنا اسم بلا لقب
سجِّل أنا عربي
ولون الشعر فحمي ولون العين بني
وميزاتي على رأسي عقال فوق كوفية
وكفّي صلبة كالصخر تخمش مَنْ يلامسها
فهل تغضب؟
سجِّل أنا عربي.
محمود درويش هو الذي قال أيضاً للمحتلين في فلسطين:
أيها المارون بين الكلمات العابرة
إحملوا أسماءكم وانصرفوا
واسحبوا ساعاتكم من وقتنا وانصرفوا
وخذوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة
وخذوا من صور كي تعرفوا
أنكم لن تعرفوا
كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء
آن أن تنصرفوا
وتقيموا أينما شئتم ولكن لا تقيموا بيننا
آن أن تنصرفوا
ولتموتوا أينما شئتم ولكن لا تموتوا بيننا
فلنا في أرضنا ما نعمل
ولنا الماضي هنا
ولنا صوت الحياة الأول.
إخترت بعض الشعر اليوم تعليقاً سياسياً لأنه يقول ما أريد ولكن بأسلوب أقرب الى قلب القارىء وعقله من مقال سياسي.