جهاد الخازن
أكمل من حيث توقفت أمس، فهناك 28 صفحة ملطخة بالحبر لمنع قراءتها في التقرير الرسمي الأميركي عن إرهاب 11/9/2001، وكنا نسمع في البداية أنها تكشف دوراً لإسرائيل في المعرفة بالخطة والسكوت عنها. بما يشبه السحر، انتقلت التهمة من إسرائيل إلى السعودية، غير أن الحقيقة كما سمعتها من الأمير نايف بن عبدالعزيز، رحمه الله، كانت أن الإرهابيين لو وقعوا في أيدي الأمن السعودي لحُكِم عليهم بالقتل.
الزميل جاسر الجاسر اقترح بعد نشر مقالي عن الموضوع أن أكتب عن الأمير نايف والعلاقة مع الإخوان، غير أنني عندما عدت إلى ما في مكتبي من أوراق، وجدت أنني نقلت عن الأمير الصديق أخباراً شغلت 26 مقالاً، ما يعني أن هناك حوالى 50 مقالاً تضم معلومات سمعتها منه ونشرتها، فلا أحتاج أن أكررها، وإنما أستعيد بعض الذكريات الخاصة مع معلومات ذات علاقة بتزوير التاريخ.
كنت مرة أزور الأمير سلمان بن عبدالعزيز، أمير الرياض في حينه وولي العهد اليوم، في مكتبه في الإمارة، وسألته أسئلة جاوب عن بعضها ثم توقف وقال لي إن هذه الأسئلة من اختصاص وزير الداخلية. وأمَّن لي مكتب الأمير سلمان اجتماعاً مع الأمير نايف في أواخر 1978، فكان فاتحة صداقة استمرت حتى وفاة ذلك الصديق العزيز. وقد شكرت الأمير سلمان في حينه على تقديمي إلى الأمير نايف وأشكره اليوم.
قبل تزوير تاريخ 11/9/2001 كان هناك الذين زوّروا تاريخ 25/6/1996، أو انفجار الخبر الذي قُتِل فيه 19 عسكرياً أميركياً وجُرِح 372 غيرهم.
الانفجار نفذه أعضاء في حزب الله السعودي من أنصار إيران، ولكن ترددت بعد ذلك أخبار عن أن القاعدة نظمت الانفجار، وأن مسؤولين أميركيين روّجوا تهمة أطلقتها الحكومة السعودية ضد حزب الله السعودي ليحموا القاعدة.
الأمير نايف يحمي القاعدة؟ هذا دخول في المستحيل.
ما قال لي الأمير نايف هو أن السلطات السعودية اعتقلت معظم الإرهابيين أصحاب العلاقة، وأعدِمَ بعضهم في وقت لاحق. وسأحكي هنا قصة عن الموضوع سمعتها منه أعتذر لأنني نشرتها من قبل.
الأمير نايف قال إن جعفر الشويخات كان أحد إثنين خططا للانفجار، وهو تدرب في إيران وسهل البقاع، وكانت معلومات أجهزة الأمن السعودية أنه في سورية. الأمير نايف طلب موعداً مع الرئيس حافظ الأسد وزاره في دمشق، وحكى له ما عنده من معلومات عن الانفجار، ثم قال له إن جعفر الشويخات في دمشق وهو يتمنى لو تسلمه سورية للسلطات السعودية لمحاكمته.
الرئيس حافظ الأسد قال لوزير الداخلية السعودي إن الشويخات انتحر. قال لي الأمير نايف إنه سأل الرئيس: انتحر؟ كيف انتحر؟ الرئيس قال له إن الشويخات انتحر بأن قطع قميصه ولفّه حول عنقه وربطه إلى حديد نافذة زنزانته، وضرب الكرسي برجليه. الأمير استغرب هذا الكلام وقال للرئيس: زنزانة فيها شباك وكرسي؟ وهو أضاف: يا فخامة الرئيس هذا الرجل نحن سجناه. وزنه 80 إلى 90 كيلو فما هو القميص الذي حمله؟ وردّ الرئيس: هل أنا أكذب عليك؟
الأمير نايف قال لي إن الرئيس حافظ الأسد أكبر منه سناً لذلك قال له: استغفر الله يا فخامة الرئيس. (وحكيت القصة هذه يوماً للدكتور بشار الأسد ووجدت أنه سمع بها).
حزب الله السعودي، الموالي لإيران، نفذ العملية، ولعل سبب كذب الأميركيين غضبهم لأن الأمير نايف رفض طلبهم التحقيق في الانفجار، ثم رفض طلبهم المشاركة في التحقيق، وسمح لهم في النهاية بأن يكتبوا أسئلة يوجهها المحققون السعوديون والأميركيون جالسون وراء مرآة باتجاهين. وأهم نتيجة أن الأمير نايف زار طهران، واتفق مع المسؤولين هناك على أن السعودية لن تسلم الأميركيين المعلومات عن علاقتهم بانفجار الخبر، ومقابل ذلك يتعهد الإيرانيون بعدم دعم أي إرهاب ضد السعودية في داخلها أو الخارج. هذا الاتفاق باقٍ وصامد.
هذا ما سمعت من الأمير نايف، وهو أصدق من إدارة بيل كلينتون كلها.