جهاد الخازن
السلطان رجب طيب أردوغان، غاضب على بابا روما والأرمن والدنيا كلّها، لأن أرمينيا ودولاً كثيرة أخرى أحيت ذكرى مجازر الأرمن قبل مئة سنة.
المجازر حدثت بين 1915 و1922، وهناك 20 دولة اليوم، بينها فرنسا، تقول إنها كانت إبادة جنس. كما أن هناك قراراً صادراً عن البرلمان الأوروبي سنة 1987 بالمعنى نفسه. الرئيس باراك أوباما كان وعد خلال حملته الانتخابية الأولى سنة 2008، بأن يتحدث عن مجازر الأرمن كإبادة جنس، إلا أنه لم يفعل بعد انتخابه رئيساً. وهو في رسالته هذا الأسبوع عن المجازر، لم يقل إنها إبادة جنس مع أنه دعا الى «اعتراف صريح كامل بها».
الأرمن يحيون ذكرى المجازر في 24 من هذا الشهر كل سنة، وكانت الذكرى هذه السنة أهم لأنها المئوية، ثم إن البابا فرنسيس قدَّم لها بالقول في قداس تذكاري لضحايا الأرمن، إن مجازرهم كانت أول إبادة جنس في القرن العشرين، وبعدها جرائم الستالينية والنازية.
تركيا استدعت سفيرها لدى الفاتيكان احتجاجاً، ووزارة الخارجية التركية استدعت سفير الفاتيكان في أنقرة، وسلّمته احتجاجاً جاء فيه أن كلام البابا يناقض صفته كرجل سلام.
أردوغان لم يكتفِ برفض دعوة من رئيس أرمينيا، سيرج ساراغاسيان، لزيارة يريفان، وإنما قرر أن تحتفل تركيا بالذكرى المئوية للإنزال في غاليبولي في 24 من هذا الشهر أيضاً، كأنها تريد منافسة ذكرى الأرمن أو تحويل الأنظار عنها.
لو أن الرئيس أردوغان لم يتصرّف كسلطان، وتجاهل كلام البابا، لما قامت الضجة التالية، إلا أنه مصرّ على إنكار حادث تاريخي مسجّل في حينه، وهو إنكار غير مبرَّر لأن المجازر حدثت قبل مئة عام، ما يعني أن أردوغان وأباه وجدّه وأجيالهم غير متهمين ليدافع الرئيس عنهم في شكل فجّ يزيد تأزيم الوضع.
الكنيسة الكاثوليكية مخطئة أيضاً، فهي تغلب السياسة على الدين والتسامح والسلام، والبابا يوحنا بولس الثاني قابل جورج بوش الإبن أربع مرات كأنه يمنحه عفواً كنسياً، ولم يحدّثه عمّا ارتكبت الولايات المتحدة من احتلال وقتل وتدمير في العراق، وإنما عن حماية الكاثوليك هناك. أقول هذا ثم أسجل أنه رفض تغيير ثوبه الكنسي، بما فيه الصليب، وهو يزور حائط المبكى سنة 2000، وقبله كنيس روما الكبير سنة 1986، على رغم احتجاج اليهود (إذا كانوا لم يقتلوا المسيح فمَنْ قتله؟ القارئ أو أنا؟).
الآن، الأرمن مهددون في العراق وسورية، وقد نزح كثر منهم الى لبنان ويقيمون الآن في برج حمود، من ضواحي بيروت. وأقرأ أن 15 ألف أرمني سوري فرّوا الى أرمينيا، وآخرين الى أوروبا وحتى الولايات المتحدة.
أردوغان لا يرى شيئاً من هذا، وإنما يؤيد التحالف العربي ضد الحوثيين، لأن اليمن بعيدة، ويترك حدود بلاده مع سورية مفتوحة لكل مَنْ يرغب في ممارسة الإرهاب بين سورية والعراق. الأتراك أوقفوا بالتأكيد عشرات المتسللين الى سورية، إلا أن الدول الغربية، مثل فرنسا وبريطانيا، تقول إن ألوفاً من المسلمين فيها تركوا بلادهم بالتبنّي لينضموا الى الإرهابيين، وحتماً تركيا لم تعتقل ألوفاً على الحدود، وإنما عشرات، وربما بضع مئات على أعلى تقدير.
كنت رجوت الخير لتركيا ولنا ورجب طيب أردوغان رئيساً للوزراء، وأيّدته في دافوس وانتصرت لأسطول السلام، ثم اختارَ أن يتحالف مع جماعات إسلامية متطرفة ضد حكومات عربية من مصر حتى الخليج وسقط، ولا يزال مصراً على مواقف لا تفيد تركيا أو جاراتها العربيات.