لا اعتراض لي البتة أن تكون الدول العربية في حالة صراع ونزاع وحروب لو أن دولنا تستطيع أن تفوز مرة واحدة.
كنت أقرأ أخيراً «مؤشر السلام العالمي» ولم أفاجأ أن أجد فيه أن أول الدول لم يحارب منذ عقود وأن في قعر القائمة عدداً من الدول العربية بعضها خسر من دون أن يحارب.
الدول العشر الأولى في مؤشر السلام هي على التوالي: ايسلندا والدنمارك والنمسا ونيوزيلندا وسويسرا وفنلندا وكندا واليابان وبلجيكا والنروج. وهكذا فهناك سبع دول أوروبية بين أول عشر دول، وهي طلقت الحروب منذ الحرب العالمية الثانية، ربما إدراكاً منها أن الحرب لا تنتهي بفائز وخاسر، وإنما بحي وميت.
مَنْ هي الدول العشر في أسفل القائمة؟ كوريا الشمالية وتحتها باكستان وجمهورية الكونغو الديموقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى والسودان والصومال والعراق وجنوب السودان وأفغانستان وسورية. وهكذا فالدول التي تتنازعها حروب تضم خمساً من أفريقيا وخمساً من آسيا. وبين هذه وتلك هناك أربع دول عربية تحارب طواحين هواء وتخسر.
بين الدولة الأولى ايسلندا، والأخيرة سورية، وجدت من الدول العربية قطر في المركز الثاني والعشرين، وبعدها الكويت/37، والإمارات العربية المتحدة/40، والأردن/56، وعُمان/59، والمغرب/63، وتونس/79، والمملكة العربية السعودية/80.
هذه الدول هي على الأقل في النصف الأول من القائمة، وقد وجدت دائماً أن لقطر مركزاً جيداً في مؤشرات أخرى، مثل مؤشر الفساد حيث تتنازع أول مركز عربي مع الإمارات. ولعل القارئ لاحظ أن دول مجلس التعاون في النصف الأول من القائمة باستثناء البحرين حيث توجد معارضة ولاؤها خارجي تحاول هدم البلد على رؤوس أهله.
البحرين في المركز 111، وبعدها الجزائر/114، وليبيا/133، ومصر/143، ولبنان/146، واليمن/147.
لن أبرئ هنا أي دولة عربية أو أحاول أن أجد لها الأعذار، وأسجل بالتالي أن مواطني كل من الجزائر وليبيا ومصر ولبنان واليمن يتحملون قسطاً كبيراً من المسؤولية عمّا أصاب بلادهم، ثم أزيد، طلباً للموضوعية، أن مشكلات أخرى من صنع أعداء كان واجب أهل البلد أن يصدّوا الأبواب في وجوههم لا أن يتركوا بلادهم ساحة لتسوية حروب الآخرين، كما شكا غسّان تويني يوماً.
كنت صغيراً أسمع أنه لا يوجد في العالم مَنْ هم مثل العرب، واعتقدت أننا خيرة البشر، وكبرت ووجدت أن معنى هذا الكلام هو أنه لا أحد مثل العرب، فكل الناس الآخرين أحسن منهم.
أين أحلام الوحدة والرخاء وتحرير فلسطين في جو من الديموقراطية؟ كل الأحلام تحولت إلى كوابيس، وكل عربي تقبَّل الخسارة كرجل... يعني حمَّل زوجته المسؤولية.
أتمنى لو نترك الحكم لنساء العرب. لا أضمن أن الوضع سيكون أفضل في أيديهن، إلا أنني واثق من أنه لن يكون أسوأ. رجالنا لم يستطيعوا أن يحققوا طموحات الأمة، ووجدوا أنهم قادرون فقط على قمع نسائهم وفعلوا. الآن لم يبقَ عربي وطني إلا ذاك الذي يعرف أن وطنيته لن تؤدي إلى خسارته عمله أو تجارته، كل عربي ناجح من هؤلاء وراءه امرأة... مستغربة جداً نجاحه.
مؤشر السلام العالمي يشرح نفسه من دون حاجة إليّ، فالدول في المواقع المتقدمة بينها قواسم مشتركة من الديموقراطية والعافية الاقتصادية والسلام الأهلي، قبل السلام مع الجار القريب أو البعيد.
ماذا عندنا؟ القاعدة وداعش والنصرة ومليشيات ليبيا والإرهاب في سيناء واليمن وقتل يومي ودمار. عندما لم يجد الإرهابيون «يهوداً وصليبيين» يقتلونهم ارتدوا ليقتلوا المسلمين، وكله إرهاب يحرّمه القرآن الكريم.
كان الكونت غاليازو شيانو، وزير خارجية موسوليني، قال يوماً إن النصر له مئة أب لكن الهزيمة يتيمة، وتوكأ جون كنيدي على هذه العبارة فأصبح الناس يعتقدون أنه صاغها. لو كان قالها وخسر، ونقلها الكونت الإيطالي عنه لأصبحت تُنسَب إلى الكونت.