جهاد الخازن
عُقد المؤتمر الرابع عشر لـ «مؤسسة الفكر العربي» في القاهرة تحت شعار «التكامل العربي، تحدّيات وآفاق»، وأرى أن الآفاق واسعة والتحدّيات كثيرة، والمهم التنفيذ حتى لا يصبح التكامل من نوع التواكل، بمعنى الاتكال، أي أن يتكل بعضنا على بعض ولا ننفّذ شيئاً.
ألقى الرئيس عبدالفتاح السيسي خطاب الافتتاح في فندق «الماسة» حيث كانت لي يوماً جلسة خاصة طويلة معه، وهو قال كل ما يجب أن يُقال، أو ما نريد أن نسمع، وأكد أن هدف التكامل الاقتصادي العربي يحتاج إلى استقرار سياسي وأمني، ثم أن دعم مسيرة التكامل العربي على الصعيد الدفاعي لا يعني تنازلاً عن السيادة الوطنية وإنما إعلاءً للمصلحة القومية الجماعية.
الرئيس المصري دعا إلى تفعيل دور كل من الجامعة العربية والمنظمة العربية للعلوم والثقافة (ألكسو) من طريق تطوير العلاقات الثقافية بين دول المنطقة، وأكد ضرورة إيلاء الثقافة والتعليم والفنون ما تستحق من عناية واهتمام.
أرى أن الدول العربية في العقود الأخيرة كانت تحمّل الجامعة العربية مسؤولية فشلها، لا فشل الجامعة، وقد تابعتُ في شكل مباشر عمل الصديقين عمرو موسى ونبيل العربي ومساعديهما، وأرى كلاً منهما وطنياً وصادقاً خبيراً في عمله، إلا أنه لا يستطيع اجتراح المعجزات، فزمن هذه قد ولى، المطلوب تعاون الجماعة، بدل أحزاب وأحلافٍ متناحرة في البيت الواحد.
كانت هناك مجموعات عمل زادت على أربعين، وضمت كل واحدة حوالى عشرة مشاركين، وكان نصيبي منها المجموعة الثانية عشرة التي أدارت النقاش فيها الدكتورة نورة، وهي شابة سعودية ذكية بدا لي أن لها اهتمامات سياسية. تحدّثنا عن صناديق التنمية العربية، والتوفيق بين مبدأ السياسة الوطنية والتكامل العربي الأمني، وأيضاً التكامل الاقتصادي، والارتقاء باللغة العربية، ووضع استراتيجيات تنموية تعكس حاجات المواطنين، ودور القطاع الخاص والمجتمع الأهلي في تحقيق تنمية عربية متكاملة.
كله مهم وكله مطلوب، والمشاركون كانوا خبراء في ميادين اختصاصهم، فأكد البعض أن الحريات لا تتناقض مع السيادة الوطنية، وأن التكامل لا يؤثر سلباً في المواطنة، فعندنا في الاتحاد الأوروبي مثل واضح على التوفيق بين هذا وذاك.
كنت مستمعاً أكثر مني مساهماً إلا في موضوع اللغة العربية فهي كانت ضمن دراستي الجامعية واهتمامي الشخصي العمر كله. ومرة أخرى، سمعت اقتراحات قيّمة وأفكاراً إيجابية بنّاءة، إلا أن الشكوك رافقتني العمر كله. وكنت أستمع وأقول في نفسي أن المهم التنفيذ.
الرئيس السيسي رحّب بالأمير خالد الفيصل، رئيس «مؤسسة الفكر العربي»، وبالدكتور هنري العويط، مديرها العام، وبالدكتور نبيل العربي والمشاركين جميعاً. كان هناك من الأصدقاء أكثر مما تتسع له هذه العُجالة، ورافقتُ في الرحلة من بيروت إلى القاهرة الزميل طلال سلمان، وفي رحلة العودة إلى بيروت الدكتور رضوان السيد ومشاركين كثيرين آخرين. وكان لـ «الحياة» نصيب في حفلة توزيع الجوائز.
وجدتُ أن الأمير خالد الفيصل له نظرة إيجابية أو متفائلة إزاء ما يعترض سبيل الأمة من مشكلات. هو عادة يبحث عن حلول أو مخارج من كل أزمة، وأنا أنظر إلى العقبات أو السدود التي تحول دون الحل.
يقولون بالإنكليزية عن البشر أنهم من جميع الأنواع، ولعل هذا أفضل، فالمهم في النهاية العمل، لا الكلام، و «مؤسسة الفكر العربي» تقوم بدور رائد في هذا المجال، والتنفيذ واجب الآخرين، التقرير العربي الثامن للتنمية الثقافية وموضوعه «التكامل العربي: تحديات وآفاق» يضم كل ما هو مطلوب في هذه المرحلة من إشكاليات الهوية العربية، إلى التكامل ومشروع الدولة الوطنية، والثقافة العربية في إقليم مضطرب، والتعاون الأمني والعسكري، والأبعاد الاقتصادية للتكامل، والواقع المرتجى من جامعة الدول العربية.
أقول إننا أسمعنا لو نادينا حيّاً، ولكن... المهم التنفيذ.