جهاد الخازن
برنامج تلفزيوني عن اليمن شاركتُ فيه مع زملاء وأصدقاء هيّج أحزاني أو أثار شجوني، فالبلد العربي الذي انتصر على الدولة العثمانية مرتين وطرد جنودها من أرضه انتهى وبعض شعبه يقاتل بعضاً آخر، والكل يعاني الأمرّين.
اليمن بلد عربي تاريخي جميل من نوع نادر في العالم كله وربما لا مثيل له. كان يمكن أن يصبح قبلة السياح من حول العالم، ليوفر دخلاً لمواطنيه يزيد على أي دخل آخر بما في ذلك النفط، إلا أنني أحلم.
عندما كنت صغيراً كنا نسمع عن جبهة التحرير الوطني وجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل، وهذه الأخيرة رعتها مصر جمال عبدالناصر، ولكن عندما طُرِد الاحتلال البريطاني تبين أنها مجرد إشاعة وسيطرت جبهة التحرير الوطني على الحكم.
أختصر الزمان إلى ما نحن فيه، فقد كنت أرأس تحرير «عرب نيوز» في جدة، وانتقلت إلى لندن سنة 1978 لإصدار «الشرق الأوسط» التي رأست تحريرها. وقتِلَ أحمد الغشمي في يوم لا أنساه هو 24/6/1978، وهو يوافق عيد ميلادي، وتبعه عبدالكريم العرشي لشهر واحد، ثم تسلم الحكم علي عبدالله صالح.
اتصلت بالزميل الياس حداد في جدة، وهو صديق عمل معي في «الديلي ستار» في بيروت، وطلبت منه أن يذهب إلى اليمن ويقابل «الرجل القوي» الجديد لأنه قد يسقط خلال أشهر في انقلاب أو يُقتَل.
الزميل فعل، وكم كنت مخطئاً، فقد حكم علي عبدالله صالح اليمن 33 عاماً، وأجريت له مقابلة في لندن، ومقابلة على هامش الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وزرته في اليمن مع الزميل غسّان شربل رئيس تحرير «الحياة» الذي أجرى له مقابلة مهمة، وكان معنا الزميل فيصل مكرم.
لا بد أن علي عبدالله صالح ذكي جداً ليستطيع حكم اليمن هذه المدة الطويلة التي انتهت في شباط (فبراير) 2012. غير أنني لاحظت من متابعتي عمله أنه لا يخلو من هنات لا أجدها هينات، فهو سجل انتصاراً بتحقيق الوحدة اليمنية في 1990، إلا أنه بدل أن يضمن أهل عدن إلى جانبه بإعطائهم نصيبهم من الحكم مع «حبّة» زيادة، أساء معاملتهم ما أدى إلى قيام دعوات انفصالية.
كان على علاقة طيبة مع المملكة العربية السعودية ودول العالم، وعندما جُرِح في محاولة اغتيال عولج في السعودية ثم ذهب لإكمال العلاج في الولايات المتحدة. الآن هو على خلاف إلى حد العداء مع جار عربي كبير، ومع الدولة العظمى الوحيدة الباقية في العالم.
بل هو تحالفَ مع الحوثيين ولا أجد شيئاً يجمعه بهم سوى المذهب الزيدي. عبدالملك الحوثي عميل إيراني وكل مَنْ يؤيده مثله. وإذا كان علي عبدالله صالح يطمح أن يعود رئيساً فهو اختار طريقاً مسدوداً لا يمكن أن يوصله إلى حيث يريد. بل أنه بموقفه الأخير أضرّ بالمستقبل السياسي لابنه وإبن أخيه وعائلته كلها.
الوضع في اليمن اليوم هو التالي: مجاعة وتشريد وجرائم حرب ونقص في الدواء والغذاء، بحسب تقرير لجماعة «أطباء بلا حدود»، والتحالف العربي لا يستطيع أن يخسر، بمعنى أنه لن يقبل الخسارة، والحوثيون لا يستطيعون أن يربحوا، وكل بلد عربي فيه ما يكفيه من المصائب فلا أحد يلتفت إلى اليمن وشعبه.
كنت أتمنى لو أستطيع أن أكتب شيئاً إيجابياً، ولكن لو فعلت لكنت أهذي ولا أسجل الحقيقة.